كانت مرجريت تكتب إليّ في كل أسبوع خطابين، وكانت تخاطبني بالكاف، وكنت أبخل عليها بالمخاطبة بالكاف، لأني كنت أخشى أن يكون في المخاطبة بالكاف ما يشهد بأني كنت مع تلك المرأة على صلات غرامية
وكانت مرجريت تتألم من ألا أخاطبها بالكاف وتقول: إن بخلك عليّ بالمخاطبة بالكاف يوجب أن أخفي رسائلك عن موريس، وهي كل ما في حياة هذا الطفل المسكين من عزاء.
حرسك الله يا موريس وبارك في حياتك الغالية!
وكانت مرجريت تتحدث في رسائلها عن أشياء دقيقة لا تذكر إلا في رسائل العشاق
وكنت أتغافل عن تلك الأشياء حين أكتب الجواب
وكان هذا يؤذيها أبلغ إيذاء، فكانت تتهمني بالقسوة والعنف
والله وحده يعلم كيف كنت أسيء الأدب في مراسلة مرجريت، فأنا أعيش في القاهرة وهي تعيش في باريس، أنا أحترس تخوفاً من بطش خصومي، وهي تترسل بلا تخوف لأنها تعيش بين قوم يرون صيانة الحب من الشرائع
وهل تعلم مرجريت أن محبوبها الغالي يحيا في القاهرة بلا ناصر ولا معين؟
هل تعلم مرجريت أن محبوبها يشتغل بالتدريس وهو عمل تكدره الشبهات؟
هل تعلم مرجريت أني لا أصلح أبداً لما صلح له فيكتور كوزان الذي كان أعظم أستاذ للفلسفة في باريس ولم يكن له زوجة وإنما كانت له خليلة تحرسه وترعاه؟
إن مرجريت لا تفهم أني مصريٌ يعيش في مدينة لها تقاليد غير تقاليد باريس
يجب أن أقطع مرتب مرجريت وأن أتخلص من مرجريت
وفي أثناء تلك الأزمة النفسية وقع حادث عجيب لم يهتزَّ له في القاهرة قلب غير قلبي، وقع حادثٌ لا يصدقه أحدٌ في الشرق ولكنه زعزع كياني
وقع حادث لم يعلق عليه كاتب مثل المازني أو العقاد أو الزيات، ولم يلتفت إليه مصطفى عبد الرازق ولا منصور فهمي ولا طه حسين
ولكنه زلزل قدميَّ وهدَّ بنياني
وهل يقع في الدنيا حادث أغرب وأعجب من أن يجيء المسيو ميللران رئيس الجمهورية الفرنسية الأسبق ليطالب في المحكمة المختلطة بالقاهرة عن حق إحدى الغواني بالميراث