أحمق العلم حين يرفع رأسه ليتكلم في الموجد وقد خرس عما أوجد، ولينظر إلى الخالق الباقي، وقد عمى عن المخلوقات الفانية!
وهل عرف العلم من نحن؟ ومن أين جئنا؟ وإلى أين نسير؟
وفكرت في نفسي، وقديماً قال سقراط، وكتبت مقولته على باب المعبد في أثينا:(أيها الإنسان اعرف نفسك) وجاء في الأثر: (من عرف نفسه فقد عرف ربه) وقال الله جلّ من قائل: (وفي أنفسكم، أفلا تبصرون؟) نظرت في نفسي، فإذا هي قد كانت قبل أن أكون أنا، فلم أعرف أولها؛ وكل ما أعلم عنها أني أفقت يوماً من النوم فوجدت طفلاً - أبصرته في المرآة - فإذا أنا أحبه أكثر من أبي وأمي، وإذا أنا لا أفارقه أبداً، فسألت: من هذا؟ فضحكوا وقالوا، هذا أنت، هل أنت مجنون!
وكبر هذا الطفل، أو هذا الذي سمّوه (أنا)، ونظرت فإذا أنا لا أدري من أين جاء، فقلت لعلّي صنعته أنا وأنا لا أعلم، ولكن هذا (الأنا) ليس كما أريد أن يكون، لو صنعته لجعلته أبرع جمالاً، وأشد قوة، وأحدّ ذكاء، وأوسع عقلاً؛ ثم إنه قد وجد قبل أن أكون أنا، وقبل أن أعرفه، وعاش مرحلة في حياته في بقعة لا أعلم شيئاً عنها، ولا أصدق أني كنت فيها، أأنا عشت تسعة أشهر في بطن أمي؟ مستحيل!
فمن أين جاء إذن؟ هل خلق من غير شيء؟
ونظرت حولي أفتش عن هذا الخالق، فرأيت ناساً مثلي، وما هؤلاء بخالقين لأنهم يحتاجون إلى من يخلقهم، وحالهم كحالي، ورأيت جبالاً وبحاراً وكواكب، ولكن ذلك كله جامد لا حياة فيه. فهل يمنحني الحياة وهو لا يملكها؟ هذه هي الطبيعة فهل تخلق الطبيعة شيئاً؟ ثم إن معنى (الطبيعة) - كما تعلمت بعد - أنها (مطبوعة) فأين الطابع؟
فتشت عنه فإذا الإيمان به في أعماق نفسي، لا أدري من أين دخل إليها، ولعلّه من وضع الخالق الذي وضع السمع والبصر في الوجه، والقلب في الصدر، والعقل في الرأس؟ ووجدتني أعود في ساعات الشدة إلى الخالق - الذي يَرى ولا يُرى - أرجوه وأخافه، وأسأله وأعوذ به، ووجدتني أنه لا يشبه شيئاً مما أرى، ولا يحدّه مكان ولا زمان، لأن الزمان والمكان مخلوقات هو خالقها، وأنه قديم باق متصف بكل كمال مطلق، منزه عن النقائض كلها