لماذا خلقت؟ وهل الحياة (تكليف) عليّ أن أحمله، أو أن لي الحق بالتخلي عنها وطرحها؟ فقالت النفس: بل عليك أن تحملها. إنك لست مالك نفسك ولا أنت موجدها، وإنما هي وديعة في يدك، يكافئك صاحبها إن استعملتها في الذي خلقها له، ويعاقبك إن اتخذتها وسيلة إلى لذتك، وأطعت فيها هواك، وحدت بها عن سبيلها
قلت: فما هي الغاية من الحياة، أهي الأكل والشرب واللذة؟
قالت النفس: كلا. هذه أسباب الحياة بها تقوم وتبقى، وليست هي الغاية منها
قلت: أفخدمة الناس ونفع البشر، وأن أتخذ فيهم حسناً، وأبقى فيهم ذكراً، هي غاية الحياة؟
قالت: كلا. إن الناس لا يمكن أن يحيوا للناس، وما خدمة البشر إلا عرضٌ من أعراض الحياة وليست بجوهرها. إن المسافر يحرص على راحته في سفره، فيتخذ خير المركبات، ويبتغي أطايب الزاد، ويصحب خير الرفاق، ولكن للمسافر وراء ذلك كله غاية من سفره، والحياة سفر فإلى أين المسير؟
قلت: لا أدري!
قالت: أعوذ بالله! وهل يتميز الإنسان عن الحيوان إلا بأنه يدرك غاية الحياة؟ أما من يأكل كما تأكل الأنعام، ويشرب كما تشرب، ويلد كما تلد، فهو مثلها أو أضل منها سبيلاً، وإن عاش في باريز أو نيويورك!
قلت: فخبريني أنت ما هي الغاية؟
قالت: لو سألت الجنين في بطن أمه وكان قادراً على الفهم والإجابة: ما هي دنياك، وما هي حياتك، وما غاية الحياة، لقال لك أن دنياه هذه الأحشاء الضيقة، وهذه الظلمة المستمرة، وإن حياته هذه الجلسة المتعبة، وهذا السكون الدائم، وإن غايته. . . . ليس يدري ما غايته!
ولو أفهمت هذه الجنين أن هنا دنيا واسعة، فيها شمس وقمر، وفضاء رحب، وبحر وسماء، وأن غايته أن يبلغها، وأنه سيعرفها ويراها حقاً. . .
لو أفهمته هذا لكذبك وأعرض عنك، لأنه لا يستطيع أن يتخيل إلا ما هو فيه، ولا يقدر أن يتصور ماذا يكون البحر والشمس والقمر؟