(إذا أصرت إنكلترا وفرنسا على مواصلة جهودهما للاستيلاء على جانب من التجارة تعده ألمانيا بحق أنه من نصيبها فإنها ستكون بعد عام أو عامين، أي بعد أن تتم تحصيناتها على الحدود الغربية، في مركز يساعدها على أن تعلن أنها وحدها صاحبة النفوذ الاقتصادي في جنوب شرقي أوربا)
هذا، ولا تنحصر نتائج اتفاق مونيخ في علاقة ألمانيا مع دول جنوب شرقي أوربا، بل تتعداها إلى وضعية الدول الكبرى ومجرى سياستها.
وفي مونيخ تلاشت عصبة الأمم، وذهبت البقية الباقية مما كان لها من تدخل في الأزمات الدولية؛ وتحققت فكرة السنيور موسوليني من حل المشاكل الدولية بواسطة (مؤتمر رباعي)؛ تلك الفكرة التي توافق عليها بريطانيا وفرنسا عام ١٩٣٣، بل أصرتا حينئذ على وجوب حل الخلافات الدولية ضمن دائرة عصبة الأمم. وفي مونيخ عقد المؤتمر الرباعي لحل المشكلة التشيكوسلوفاكية، دون إعلام عصبة الأمم به، ودون اشتراك الروسيا فيه، فكان ذلك نصراً أدبياً سياسياً للسنيور موسوليني اتخذ منه دليل كبير على بعد نظر زعيم إيطاليا وعلى قدرته السياسية في إيجاد الأسس لتسوية المشاكل الأوربية.
وفي ذلك المؤتمر تحققت رغبة هتلر وموسوليني في عزل الروسيا عن شؤون أوربا فأصبحت الروسيا في عزلة سياسية لها نتائجها السيئة في أوربا. لأن من شأن هذه العزلة إضعاف موقف فرنسا الدولي، وبالتالي إضعاف موقف فرنسا الدولي، وبالتالي إضعاف مركز بريطانيا العظمى، مما يشجع الهر هتلر على السير في تحقيق مطامعه الواسعة
وفي مونيخ انهارت سياسة سلامة فرنسا. فزالت قوتها في تشيكوسلوفاكيا وخسرت حلفاءها وأصدقاءها في بلاد البلقان وشرقي أوربا. فكانت فرنسا الدولة الأولى التي تكبدت أكبر الخسائر ولحق بها أعظم الأضرار من جراء اتفاق مونيخ. وكأن هذا الاتفاق كان موجهاً ضدها. وزيادة على ذلك فقد حاول الهر هتلر في مونيخ تحقيق أعز آماله عليه، وهو إبعاد بريطانيا عن فرنسا لتتم عزلتها ويزول سلطانها الدولي. وهو لم يواجه هذه المسألة وجهاً لوجه، بل أتاها من طريق غير مباشر، فوقع المستر تشمبرلين تصريحاً مفاده: (إنهما ينظران إلى اتفاق مونيخ وإلى الاتفاق الإنكليزي الألماني البحري، كرمز إلى رغبة شعبيهما بألا يحارب قط الواحد الآخر. وإنهما متأكدان على أن التشاور سيكون الطريقة