العالم البسيط تعلونا سماء زرقاء في مصر ملبدة بالغيوم في غيرها، حيث تجري الكواكب في مجراها، وكل هذا العالم غارق في بحرين كبيرين: الزمن والحيز، هذان البحران أصبحا موضع عناية الباحثين والعلماء المدققين. الزمن والحيز، عاملان نعتقد أننا جميعاً نعرفهما أو هما في غير حاجة لدراسة معينة فقد ألم بأمرهما كل من أتيحت له الفرصة أن يجلس على مقعد بالمدرسة.
هذه الصورة البسيطة للعالم والتي عللها العلماء لنا بقوانين بسيطة سواء في الميكانيكا أو الطبيعة أو الكيمياء لم تعد بسيطة كما عهدناها.
ففي جو التفكير العلمي انقلاب شديد لم يشعر به الرجل البعيد عن الجامعات ومعامل البحث. وشعر به العلماء والجامعيون المشتغلون، والواقع أننا لو انحرفنا قليلاً عن الأوضاع البسيطة التي ذكرناها والأوصاف التي قدمناها وأردنا أن نعرف للعالم صورة أدق من الأولى صورة تنطبق على الآراء العلمية الحديثة، فلا مادة حسب التفكير الأول البسيط، بل إن المادة جسيمات صغيرة جداً في حركة دائمة، وهذه الكوبة المملوءة بعصير البرتقال مثلاً أو الماء الصافي تمثل مجموعة من ملايين الأجسام المتحركة، فهي شبه مجموعة من النحل حول خليتها في حركة دائمة، فكما أنه ليس هناك سطح معين لمجموعات النحل حول الخلية، فإنه لا سطح معيناً للماء في الكوبة بل مجموعات من الجسيمات هنا وهناك تعد بالملايين.
وفي هذا العالم الذي نعيش فيه والمملوء من هذه الجسيمات المتحركة لا ضوء هناك ولا لون ولا صوت، فكل هذه مظاهر لا تختلف إلا بعدد في الذبذبات والتردد؛ فالذي نسميه مادة أو ضوء ما هو إلا كهرباء، بل لا فارق بين الطاقة والمادة، ويمكن القول اليوم أن الاثنين شيء واحد، بل المادة نفسها كهرباء والكهرباء مادة
على أن قوانين هذا العالم المضطرب تختلف حسب صورته الجديدة اختلافاً كبيراً عن الأشياء التي تعودناها في حياتنا اليومية والتي لم تظهر القوانين التي نعدهما صحيحة لنا إلا لأنها متوسطات للقوانين الحقيقية للعالم على صورته الجديدة.
هذا الاختلاف في صورة العالم ومظاهره قد تعدى كل شيء حتى إن القوانين العادية الخاصة بالزمن والمسافة التي تحكم هذا العالم تختلف اختلافاً مبيناً عن التي تعلمناها في