الموالين لها أجمعت على نفعها في مسقط رأسها وخالفتها القلة المدركة من خصومها. ومنهم من أُوذي وهاجر باختياره أو نُفِي مرغماً؛ ومنهم من ألف كتباً صوب فيها سهام نقده إلى الفاشية. وإن يكن في المظاهر ما يوهم بأن النازية الألمانية تقليد للفاشية الإيطالية، فلا يصح القول بأن الهتلرية نوع من الفاشية أو تقليد لها، وإن كانت تشبهها في تفرد رجل واحد بالسلطة. ولكن الذي يفرق بينهما هو أن الأولى قامت باسم الإصلاح الداخلي ونصرة ذوي رؤوس الأموال ومقاومة الاشتراكية ومطاردة العمال الذين احتلوا المصانع الإيطالية في سنة ١٩٢٢ وقدم زعيمها فروض طاعته للملك وجامل الكنيسة الكاثوليكية وانضوى تحت لوائهما. أما النازية الهتلرية فاشتراكية وطنية دينها عظمة دوتيشلاند ومجدها في غلبة الرايخ الثالث، وقامت باسم حماية الوطن من الاعتداء الأجنبي والخلاص من قيود معاهدة فرساي وتنفيذ خطط بسمارك القديمة، من التوسع في أوربا والشرق وتحطيم الشيوعية. وإذن قامت الهتلرية لتكون وسيلة لها غاية تخالف غاية الفاشية. دع عنك الاختلاف في أخلاق الأمتين وتاريخهما وعناصر حياتهما. وكلتاهما قد هضمت حقوق الفرد وجعلت الدولة هدفاً أسمى وإن كان في ذلك تأخير (المواطن) والتضحية به، مما يختلف عن المدى الذي وصلت إليه الحضارة الحديثة في تفكيرها وسياستها ومجموع مبادئها، ولاسيما عند الشعوب الإنجلوسكسونية والتيوتونية
وإذن لا تكون الهتلرية وليدة الفاشية ولا شقيقتها الصغرى، لأن الهتلرية ثمرة التاريخ الحربي والسياسي في ألمانيا، وخلاصة نوع من الفلسفة الروحية أو التصوف السياسي منشأه مجامع ميونيخ السرية التي بدأت أثناء الحرب. أما الفاشية ففكرة مبتكرة قامت في ذهن رجل واحد نتيجة لإدمانه قراءة كتابين:(وعود الزواج) لماتزوني وكتاب الأمير لنيكولا ماكيافيلي. وقد صدق حسبانه أنه يصلح شعبه بتنفيذها ووجد معونة كبرى من الأسرة المالكة ومن أصحاب المصانع والكنيسة، وتشجيعاً من الشبان الطامحين إلى الحلول محل كهول السواس وشيوخها، وكانوا إذ ذاك متلهفين على القوت والمجد، وكان بعضهم يرقبون المنقذ المنتظر يظهر فجأة في أفق الوطن وكان إذ ذاك خالياً في تلك الفترة من العظماء القادرين على حمل أعباء الزعامة. فوقع اختيار الحظ على موسوليني. كان بنيتو موسوليني في أول أمره صحفياً اشتراكيا متطرفاً، يحرر في مجلة (أنانتي) إلى الأمام،