للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

لسان حال الحزب الاشتراكي وزعيمه فيرو أحد أساتذة الجامعة. ولما أعلنت الحرب ساهم في أوائلها، ثم لم ترقه فهاجر إلى سويسرا حيث ذاق مرارة الفاقة والتسكع، وعاد إلى وطنه يجرر أذيال الخيبة فحدث له ما حدث لاسكند كيرنسكي في بطرسبرج سنة ١٩١٧. غير أن الفرق بينهما أنه استمر ونجح حيث تردد كيرنسكي فخاب. فهو ابن ثورة اقتصادية قلب ظهر المجن لحزبه في اللحظة الأخيرة.

ولا يفوتنا أن أوربا أصبحت بعد الحرب مباشرة نهباً بين الدكتاتوريين فظهر من طرازهم بريمودي رفيرا في أسبانيا، وبانجالوس في اليونان، وبلودوسكي في بولونيا، وتحدثوا عن دكتاتورية مزمعة في فرنسا ورشحوا لها أندريه تارديو الذي كان رئيس وزارتها. ففي ظلال هذه الدكتاتوريات وفي مثار النقع الذي طاف بالأجواء قامت الفاشية وأضافت إلى قميصها الأسود درع الدكتاتورية الفولاذي.

وتضافرت بعض الظروف التي لم تكن في الحسبان وهي نتيجة الحالة السياسية العامة في أوربا فجعلت لإيطاليا وألمانيا مكانة توشك أن تضع في يدها ميزان السياسة الدولية، ولاسيما بعد فوزهما الأخير. وتراخت إنجلترا وفرنسا في تأييد نفوذهما لانشغالهما بالمسائل الداخلية. وجدت في الشرق حرب الصين وتفوق اليابان فانضمت إليها ألمانيا نكاية في روسيا. ورجعت أوربا في غير وعي إلى سياسة الاتفاقات السرية. ولعل التناطح بين الشعوب ليس إلا تطاولاً بين الزعماء ومظهراً لقوة إرادتهم ودليلاً على رغبتهم في الفوز والانتصار على مزاحميهم في ميادين المجد وعلو الصيت وضخامة الشهرة. ولدى كل أمة من الأمم مؤثرات وعوامل فكرية تؤثر في نفوس بنيها ولا تكون الزعامة الصحيحة إلا لمن يعرف استعمال هذه المؤثرات والعوامل التي تتحكم في النفوس؛ فإذا ما اهتدى الزعيم أو المرشح للزعامة إلى تلك العوامل تمكن بسهولة من جمع الأفكار وتوحيد الإرادات الفردية حول فكرته الخاصة وإرادته. وهيهات أن ينجح الزعيم ما لم يكن مفتوناً بالفكرة التي صار داعياً إليها حتى تستولي عليه استيلاء لا يرى معه إلا الفكرة التي ينادي بها؛ وبدون هذا الإيحاء الذاتي لا يمكنه أن ينجح في التأثير في أذهان الجماهير، لأنه لا شيء يحرك همتها مثل مظهر الأيمان الذي يبدو على شخص الزعيم. وإن يكن بعض الزعماء أو قادة الفكر ليسوا من النوابغ في صدق الآراء وصحة النظر، إلا أنهم من أهل الهمة

<<  <  ج:
ص:  >  >>