للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ما بنيت العلياء إلا يجدي ... وركوبي أخطارها واجتهادي

وبلفظي إذا نطقت وفضلي ... وجدالي عن منصبي وجلادي

غير أني وإن أتيت من النظ ... م بلفظ يذيب قلب الجماد

لست كالبحتري أفخر بالشع ... ر، وأثني عطفي في الإيراد

وإذا ما بنيت بيتاً بختر ... ت كأني بنيت ذات العماد

إنما مفخري بنفسي وقومي ... وقناتي وصارمي وجوادي

ومن منا لا يحفظ قوله السائر:

لا يمتطي المجد من لم يركب الخطرا ... ولا ينال العلا من قدم الحذرا

ومن أراد العلا عفواً بلا تعب ... قضى ولم يقض من إدراكها وطرا

وله غير ذلك الشعر الجيد المصقول يصور فيه همته وتفضيله الموت على الذل والنفور من اليأس حتى في ساعة الفشل والاستهزاء بالعدا والأخطار، ويالها من مبادئ يبتسم لها المجد

ولكنه ما كاد القرن الثامن يذر في الأفق حتى أحاطت بالعراق خطوب وفته بانشقاق أهله على أنفسهم وبإيغال المغول في أنحائه فاتحين متجبرين، فاضطرت الولايات الصغيرة التي لا تستطيع الدفاع عن نفسها إلى الاجتماع بما حولها من الدول الحصينة القوية. وهكذا اعتمدت أسرة الحلي على الدولة الارتقية المقيمة بماردين وعلى رأسها الملك المنصور نجم الدين غازي وقد كانت تتمتع باستقلال داخلي وراثي، ولكنها تعترف بسيادة مصر، وفي عاصمتها هذه يقول (ياقوت في معجمه: (إنه ليس في الأرض أحسن من قلعتها ولا أحصن ولا أحكم)، فدخل الشاعر إلى بلاط هذا الملك يحرصه بادئ الأمر على مساعدة قومه والانتصار لهم على أعدائهم، ثم ما لبثت أن صار شاعراً رسمياً له، يهتف بمناقبه وينث ذكراه. وعند ذلك ابتدأ ظهور النوع الثاني من شعره وهو المدح.

حدث صفي الدين الحلي عن نشوء هذا الانقلاب في شعره فقال: (كنت عاهدت نفسي ألا أمدح كريماً وإن جل، ولا أهجو لئيماً وإن ذل، ولكن الحوادث ألجأتني إلى هجر عريني. . فحططت رحلي بفناء فخر الأواخر والأوائل ملوك ديار بكر بن وائل فمذ ثبتوا بالإحسان قدمي، وصانوا عن بني الزمان وجهي ودمي، حمدت لقصدهم مطايا الآمال، وقلت لا خيل

<<  <  ج:
ص:  >  >>