للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

حيث يجلس مع إخوانه للمسامرة، ذكر لي أن ما كتبه إنما هو تمويه في الحق، وتدليس على الناس، وأن صاحبه ليس في قليل ولا كثير فيما كتب عنه، ولكنها الضرورة قاتلها الله، وللضرورة حكم أقل ما يقال فيه أنه يفصل بين المرء وبين ضميره. ولقد ذكر الدكتور زكي مبارك في مقال نشره منذ أعوام، أن الدكتور طه حسين أسر إليه في مجلس من المجالس أن (شوقي) في رأيه أكبر شاعر في العربية، وأنه كان يود أن يقدم ديوانه للقراء، على حين كان الدكتور طه في ذلك الوقت يذيع في الناس أن (شوقي) لا يد له في الشعر ولا رجل، وأنه شاعر يغني على أطلال القديم، فيغني عنه أضأل شاعر في القديم!!

ومن ثمًّ تعلم أن أدباءنا في مجالسهم شيء، وهم في كتاباتهم شيء آخر. . .

وإلى جانب هذا نجد في أنديتنا الأدبية ناحية مشرقة، فهي مجلس الدعابة البارعة، والروح المصرية المرحة، ولعلك تعلم أن الدعابة إنما هي الجانب المشرق من الحياة، وهي عنوان ما في السرائر المكتومة، ومظهر من مظاهر الأخلاق والثقافة، وعنصر يهتم به الدارسون لنفسيات الأمم وطبائع الشعوب. وليس من شك في أن شخصية الأديب قد تتجلى واضحة مكشوفة في نكتة يلقيها على بساط الشراب، وربما لا يظهر لها ظل في جميع مؤلفاته ولو بلغت ألف كتاب. ولأدبائنا في مناحي الدعابة ذراع رحب، ولسان طويل. . . ولكنهم لا يهتمون أو قل يتحرجون من تسجيل ذلك وإذاعته في الناس، ولا شك أننا فرطنا في كثير إذ أهملنا ما كان يجري في مجالس البابلي وحافظ وإمام العبد وأندادهم، فلم نسجل شيئاً من أحاديثهم. ولم نحفل بنوادرهم وقفشاتهم، على أنها كانت ثروة طيّبة، وناحية حافلة بالأنس والسمر، ومن العجيب أن القدماء كانوا أجدى من في ذلك وأحفل به، ولعل مرجع هذا إلى أنهم كانوا يكتبون للخاصة فكانوا ينطلقون على طبيعتهم فلا يتأثمون من تعبير، ولا يتزمتون من لفظ، ولكنا نكتب لجميع الناس، وكتاباتنا تتصل بمختلف الأوساط، فكان لابد أن نعف عن كل ما يخدش الحياء، ويؤذي الأذن كما يزعمون!

ومن بعد هذا ومن قبله، نجد تلك الأندية تعمل كثيراً في نهضتنا الأدبية، وفي وجهتنا الثقافية، فكثيراً ما تتشاجر الآراء، وتقوم المجادلات بين القوم حول المعركة بين القديم والجديد، أو في المقارنة بين شوقي وحافظ، أو المفاضلة بين طه والعقاد، وقد يخرجون من القول في الأدب إلى الكلام في السياسة وما يجري من التطاحن بين الأحزاب، وفي هذه

<<  <  ج:
ص:  >  >>