تعرفتُ في صحبي وأهلي وخادمي ... هواني عليهم مذ جفاني قاسمُ
وبعد ذلك بأبيات الرئيس المعاتَبَ ألا ينسى أنه خادم. أما شدته في هجائه فشدة الرجل المرهف الحس إذا جُوِفَي أو غُبنَ أو أُسيءَ إليه أو اضطهد. ونكرر أن النفس كالبلور ذي الأضلاع والأشعة المنعكسةُ عليه مختلفة النواحي. ولكن لعل أصدقُ وصف يوصف به ابن الرومي هو أن يوصف بالمصوِّر أو الرسام أو النقاش. ويخيل إلينا أنه لو كان عائشا في إيطاليا في عهد نهضة الإحياء واشتغل بالنقش والرسم ما كانت قدرته تقل عن قدرة مصور مثل تشيانو (تيتيان) في ولوعه بألوان الجمال. وجمال الألوان. ولا نعني أنه كان مصورا في وصف مناظر الطبيعة والنبات فحسب، وإنما كان مصورا في كل أبواب شعره من مدح أو ذم أو غزل أو وصف للغناء أو المآكل أو الأشربات. وقد ذكرنا قدرته الخطابية في قصيدة التحريض على قتال صاحب الزنج ولكن أعمق أجزاء القصيدة أثرا هو وصفه دخول الزنج، المدينة ووصفه ما فعلوا بها وبأهلها. فولوع ابن الرومي بالألوان لم يكن مقصورا على ألوان المرئيات بل تعداها إلى ألوان الآراء، فتراه يُغري بوصف لون من الرأي ثم بوصف اللون الذي هو نقيضه. والولوع بالألوان وشدة الإحساس بمعانيها وجمالها وأثرها من صفات المصور، وكذلك تَقَصِّي الأجزاء وربط أجزاء الصورة في القصيدة. ومن مظاهر ولوعه بوصف ألوان الرأي قصائده في مدحه الحقد وذمه؛ وليس من المرفوض أن نقول إن مدحه الحقد كان بسبب إحساسه المرهف وحقده على الذين آلموا هذا الإحساس المرهف من مناوئيه. فمن مدحه الحقد قوله:
أديمي من أديم الأرض فاعلم ... أُسئُ الريع حين يسئ بذرا
يُسمى الحقد عيبا وهو مدح ... كما يَدْعُونَ حُلْوَ الحق مُرَّا
وقوله:
وما الحقد إلا توأم الشكر في الفتى ... وبعض السجايا يَنْتَسِبْنَ إلى بعض
وإني أشك في أن الحقد توأم الشكر دائماً فإنه إذا قُرِنَ بالحسد، ولكل نفس نصيب منه قل