أو كثر، منع من الشكر. وقد راجع ابن الرومي نفسه ولامها على مدح الحقد في قصائد منها قصيدته التي يقول فيها:
يا مادح الحقد محتالا له شبها ... لقد سلكتَ إليه مسلكاً وعثا
وأبدع منها وأعظم قصيدته التي مطلعها:
يا ضارب المثل المزخرف مُطْرياً ... للحقد لم تقدح بزند وارى
وعندي أن هذه القصيدة من أعظم وأجل قصائده، وكل منتخبات من شعره لا تشملها تعد ناقصة، وفيها يحث على مغالبة النفس لطابع الشر وعلى تنمية طباع الخير. وقد بلغت قوة التصوير عند ابن الرومي مبلغاً جعله يُصوِّر الطبيعة وكأنها من الأحياء. وربما كان ولوعه بذلك أكثر من ولوع شعراء العربية الذين كانوا يجردون من الجماد أشخاصاً فيخاطبون الليل أو السري أو الرياح أو النجوم أو الربوع والأطلال أو الفراق، فيحدثونها وتحدثهم، وهذه الصفة من قبيل تلك الصفة في ابن الرومي وإن كان إحساسه بحياة الطبيعة أعم وأشبه بطريقة الشعراء الآريين. وليس شبه ابن الرومي بالشعراء الآريين مقصوراً على إحساسه بحياة الطبيعة وإشاعة المعنى في أكثر من بيت وتقصي أجزاء المعنى، بل هو يشمل أيضاً تفضيله فكاهة الصور الخيالية ومعانيها على الفكاهة اللفظية الشكلية، وكانت فكاهة الصور الخيالية ومعانيها على الفكاهة اللفظية الشكلية، وكانت فكاهة الصور الخيالية مفضلة في العصور المتقدمة في الآداب العربية فلم يبتدعها ابن الرومي وهي ليست ملكاً له ولا ابتكاراً ولكنه زاد فيها زيادة كبيرة، ثم إن المتأخرين من الشعراء صاروا يفضلون فكاهة المغالطات اللفظية، وهذا النوع كان معروفاً شائعاً في الأدب الأوربي وإن كانت الصور الخيالية أفضل وأعلى مرتبة.
ولعل عظم نصيب ابن الرومي من فكاهة الصور الخيالية كانت من أسباب تبريزه في الهجاء تبريزاً لا يضارعه فيه شاعر آخر. ولو حذفنا هجاءه الذي أفحش فيه مثل هجاء ابن الخبازة المعروف بهجاء بوران وغيره من الفحش القاذع الذي لا يصح نشره في هذا العصر بقيت لنا في هجائه صور فكاهية خيالية لا يستطاع تجنب اختيارها إذا أحصيت خلاصة من شعره، لأنها أعلى مرتبة من مدحه بالرغم من إجادته فيه. وقد كان الهجاء سبب موته مسموماً. والظاهر أن الأمراء والوجهاء كانوا يسيئون الظن ببعض مدحه غلاوة