وضيعاًن ما حفزني للمجيء إليك إلا عطفي عليك، وظننت أنك تقاسي همَّاً دفيناً، وأنك ستهش لحديثي وتبش، وقد جئتك لأسري عنك، أما وقد طرقت أذنيَّ كلماتك البذيئة، فأعد نفسي متطفلاً وأنت وشأنك
انطلقت إلى غرفتي، موهماً الأسرة أني لا أزال عنده وأخذت أفكر فيما عساه يكون سره، ولم حرص جد الحرص على عدم السماح لي بدخول مخدعه، ولكن أعياني الفكر، فلم أهتد إلى إجابة مقنعة، بيد أن الشك أخذ يساورني، ويخيله إليّ شيطاناً مريداً، قد أتى أمراً إداً، ورغب في إخفائه عنا
جاءتني ربة المنزل بعد يومين وأنا أتناول طعام الفطور وقالت:
- إن صاحبك هذا مأفون معتوه، فقد خرج بملابس النوم في الطريق لابتياع إحدى الصحف، ولا ريب أن هذا مخل بالآداب في عرفنا وتقاليدنا، وأخشى أن يراه رجل الشرطة فيقبض عليه تركت الخوان مسرعاً؛ وهرولت وراءه، وحاولت أن أرده إلى صوابه، وأبين له أن خروجه هكذا خطل سيعرضه للبرد القارس، والانتقاد المر؛ وتدخل رجال الأمن، وأن إنجلترا ليست كمصر فوضى لا يعرف الناس فيها نظاماً للأزياء
- لقد نهيتك من ذي قبل ألا تُعنَى بأمري، وأن تدعني وشأني، فأنا أعرف بآداب اللياقة منك
- إننا أبناء وطن واحد، وما يلحقك من العار والمهانة سيلحقني كذلك؛ لن يتحدث الناس هنا بأن فلاناً أخطأ، بل سيقولون: أحد المصريين أجرم؛ فرفقاً بسمعتنا، وتقبل نصحي، فقد مضى عليّ بهذه الديار أمد غير قصير
عاد إلى المنزل وهو يزمجر كمن أخذته العزة بالإثم، وكبر عليه أن ينصاع لطلبة غيره
عزوت كل هذه التصرفات لجهله بعادات القوم، فلم آبه لتعنيفه وتقريعه، وأخذت أتلمس العلل والمعاذير لكل ما يصدر عنه فعال يندى منها الجبين خجلاً أمام أناس لا يذكرون عن مصر إلا المشوه من الحقائق. ولكن صاحبنا ظل سادراً في غوايته لا يستمع لموعظة، أو يتعلم من تجربة؛ فجاء ربة البيت في ظهيرة أحد الأيام، وطلب منها أن تطهي له دجاجة على الطريقة المصرية، فاعتذرت بأنها لا تعرف قليلاً أو كثيراً عن الطعام المصري، وأولى له أن يباشر طهيها بنفسه، إن كان لا يزال على رأيه.