من حاضره الذي هو به حيٌّ يسعد بالحياة؛ وما الأمس إلا الجزء الذي مات منا وسبقنا إلى الفناء!
ولكن الزمان على ذلك هو أمس، واليوم، والغد جميعاً: هذه الثلاثة هي حياة الحيّ وعمر الزمان؛ لا سبيل إلى تجاهل ذلك بعد عرفانه!
ليتني لم أعلم! ليتني لم أعلم!
لتني ظللت حياتي أجهل معنى الزمان؛ لا أفكر فيما كان، ولا أتوقع ما يكون، ولا أعرف من عمر الزمان إلا اللحظة التي أعيش فيها!
. . . وتلاقينا مرة على ميعاد. . . هل تذكرين يا عزيزتي؟. . . وجلستُ أقرأ لك فصلاً من كتاب كان معي؛ فتندّت عيناك بالدمع!. . . إنني ما أزال أذكر ذلك كأنه أمس، على أن بيني وبينه عشر سنين!. . . لقد قلتِ لي يومئذٍ كلمة ما زال صداها يرنّ في أذني:
(يا عزيزي! ليس في البشرية كلها من يقدر على خلق المعجزة التي تهزّ النفس من أعماقها غير الأديب البليغ!)
وقلتِ كلاما آخر لا أذكره، ولكن أثره ما زال يعمل في نفسي؛ فجهدت جهدي لأخلق المعجزة التي تهزّ النفس من أعماقها. . . ولم أذق طعم الكرى من يومئذٍ. . .!
ليت شعري، هل جاءك - وبيني وبينك حجاب التقاليد - نبأ ما كنت أبذل من أعصابي ومن دمي في سبيل هذه الغاية حرصاً على أن أكون يوم اللقاء كما تريدين أن أكون؟
يا ليت يا عزيزتي، يا ليت!
عشر سنين من عمر الشباب وأنا أُخرج للناس كل يوم جديداً في الأدب، إلا يكن من إلهامك فإنه بسبيل إلى تحقيق أملك!
يترادف الليل والنهار، وتتعاقب الظلمة والنور، وأنا عاكف على دفاتري وأوراقي، أكتب وأفكر جاهداً لأخلق المعجزة التي تهزّ النفس من أعماقها. . .!
تُرى هل بَلَغْت؟
هأنذا على شَرفٍ من الأرض في طريق لا حب، وثمة بارقةٌ تلوح من بعيد. . .
وما تزال الفَراشة الجميلة تتواثب في مطارفها الْموَشَّاة، لا تنالها يدي على طول السُّرَي وجهد السَّهَر وكدِّ الطريق. . حَتَّامَ المسير؟