تناول الداعون إلى الإسلام تلك المبادئ التي تعتزي إلى النشاط التبشيري فجعلوا منها أموراً عملية، كما أود في بداءة البحث أن يفهم القارئ في وضوح أنني ما قصدت من وضع هذا الكتاب أن أدون تاريخ العنف والاضطهاد في الإسلام، وإنما قصدت أن أدون تاريخ التبشير الإسلامي. وليس غرضي من تأليفه أن أتناول الظروف التي تحوَّل الناس فيها إلى الإسلام بوسائل الإكراه والقسر - وهي مبعثرة هنا وهناك في صحائف التاريخ الإسلامي - فقد أمعن الكتاب الأوربيون في التنقير عنها والتهويل في تدوينها على وجه لا يخشى معه من نسيانها، ثمّ هي لا تدخل على وجه الدقة في نطاق تاريخ التبشير الإسلامي. فلنجاوز هذا إلى تاريخ التبشير المسيحي، وفي بطونه نتوقع بطبيعة الحال أن نقرأ عن الجهود التي بذلها القديس ليدجار والقديس ويليهاد بين الوثنيين السكسون أكثر مما نقرأ عن حالات التنصير التي أمر شارلمان أن تكون، فكانت تحت قراع الرماح ورنين القسي، في جو من الرهبة تداعت فيه الأصوات وتجاوبت الأصداء. كذلك الحال في الدانمرك فقد اجتث ملكها كنوت الوثنية من بلاده بحد السيف، ولكن بالرغم من هذا فالقديس أنسجار وخلفاؤه هم الممثلون الصادقون للتبشير بالنصرانية هناك. وفي بروسيا يمثل التبشير بالمسيحية القسيس جوتفريد والأسقف كرستيان برغم ما منيا به من الفشل في كسب الوثنيين البروسيين إلى دينهم، وبالرغم مما كتب من التوفيق لجماعة (إخوان السيف) وبقية الصليبيين الذين تيسر لهم أن يتموا بقوة النار والحديد ما بدأه جوتفريد وكرستيان. وفي ليفونيا نهضت طائفة من الفرسان تدعى (جماعة الإخوان المسيحيين الحربيين) بإدخال أهل هذه البلاد في النصرانية بوسائل الحرب والقسر، ومع ما اقترن بجهدهم من المضاء والغناء فالرهبان مينهارد وتيودوريك هما بحق رسولا المسيحية إلى هذه البلاد. ولقد لجأ الجزويت أحياناً إلى وسائل الإرهاب والعنف، ولكن هذا لا يحط من قدر المآثر التي كسبها أمثال القديس (فرانسيس اكسافيير) والمبشرين الآخرين من الجزويت. ولا يقل عن أولئك كل ما يعزى إلى (فالنتين) رسول جزيرة أمبوينا إذ صدرت الأوامر سنة ١٦٩٩ لكل راجا من حكامها أن يعد عدداً من الوثنيين ينتصرون على يد هذا الرسول في إحدى جولاته في الجزيرة.
وتبدو حركة التبشير في تاريخ الكنيسة المسيحية متقطعة غير متصلة، فهذا عصر انتعاش