وحماسة في التبشير يعقبه عصر بلادة وجمود، وذاك عصر تحل فيه وسائل الإرهاب والقسوة محل وسائل الإرشاد والدعة. وهذا بعينه هو شأن الدعاية في الإسلام تنساق إلى المد، ثم لا تلبث أن تستطرد إلى الجزر. ولكن لما كانت الحماسة التبشيرية في كلتا الديانتين ظاهرة متميزة، فتاريخ الدعاية في كل منهما حريٌّ بأن يكون موضوع درس مستقل. وليس معنى هذا أن نبعد عنه بقية المظاهر الأخرى للحياة الدينية، ولكن معناه أن نفرغ جهدنا في واحد من هذه المظاهر له مميزاته الخاصة. إذاً فتاريخ الدعاية وتاريخ الاضطهاد يجب أن يدرس كل منهما درساً مستقلاً بعيداً عن الآخر، سواء أكان ذلك في تاريخ الكنيسة المسيحية أو في تاريخ الديانة الإسلامية رغم ما حدث من تلازمهما في بعض الظروف في كلتا الديانتين، ذلك لأن الدين المسيحي لم يستفض هذه الاستفاضة وينتشر هذا الانتشار في كل الظروف بمثل الوسائل التي استخدمها في فيكين جنوب النرويج الملك أولاف تريجفسون الذي عمد إلى من رفضوا الدخول في المسيحية فذبحهم أو قطع أيديهم وأقدامهم أو نفاهم خارج بلاده، وبهذا نشر النصرانية في كل أنحاء فيكين. كذلك لم تكن نصيحة القديس لويس مبدأً يسير عليه المبشرون النصارى، تلك النصيحة التي يقول فيها:(إذا سمع أحد العوام شخصاً يطعن في الشرع المسيحي، فلن يذبَّ عن دينه إلا بسيفه، وليوغل بذلك السيف في أحشاء الكافر إلى أبعد مدى يستطيع)
ونجد بالمثل جماعات تبشيرية إسلامية لم تستن تلك السنة البربرية التي عبر عنها مروان آخر الخلفاء الأمويين بقوله:(من لم يدخل من أهل مصر في ديني ويصل كما أصلي ويتبع مذهبي لأقتلنه وأصلبنه)
كذلك لم نعتبر المتوكل والحاكم وتيبو سلطان أصدق أمثلة المبشرين المسلمين لنخرج من الميدان أمثال مولانا إبراهيم الداعي إلى الإسلام في جاوة وخواجة معين الدين ششتي في الهند وغيرهم ممن لا يحصيهم العد وكان لهم فضل في إدخال الناس في الإسلام عن طريق الهدى والإِرشاد السلمي وحدهما.
ولكن بالرغم من أنه يمكن وضع فاصل للتمييز بين اعتناق الدين عن طريق الاضطهاد والعنف وبين اعتناقه نتيجة الإِرشاد والدعاية السلمية، فإنه ليس يسيراً أن نتحقق الدوافع التي حملت الشخص على أن يستبدل بدينه القديم ديناً آخر. كذلك ليس من السهل أن ينجلي