للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والبيئات؛ ذلك المعين هو الضمير.

وفي هذا يقول العلامة بارتلمي سانتهلير مترجم أرسطو من اليونانية للفرنسية في مقدمة كتاب الأخلاق لأرسطو: (ولنؤكد من غير أن نخشى الزلل أن حقائق علم الأخلاق في الساعة الراهنة عند الأمم المتمدنة ليست منذ الآن محلاً للجدل بين النفوس الفاضلة، وأن تلك الحقائق لا خوف عليها. يمكن أن يقع الجدل في النظريات، ولكن لأن سلوك الناس الأخيار هو في الواقع واحد، يلزم حتماً أن يكون بينهم قدر من الحق مشترك يستند إليه كل واحد منهم من غير أن يستطيع مع ذلك في الغالب أن يقف غيره عليه ولا أن يدركه هو نفسه. ومن النادر أن يقع إجماع الآراء على طريقة بسط مذهب بعينه مهما أجيدت ومهما بلغت من الحق، ولكن من الأفعال ما هو مقر عليه عند جميع الناس؛ وبيّن أن هذا الإقرار العام سببه أن هذه الأفعال تابعة لمبادئ مسلمة عند الجميع، وتقع على مقتضاها من حيث لا يشعر الفاعل لها في غالب الأحيان)

ثم يقول في موضع آخر: غير أن قانون الأخلاق ليس قانوناً شخصياً بل هو قانون عام، قد يكون في ضمير أشد قوة وأكثر وضوحاً منه في ضمير آخر، ولكنه موجود في كل الضمائر بدرجات تختلف قوة وضعفاً. إنه ليناجي جميع الناس بلهجة واحدة، وإن كانت أفئدتهم لا تصغي إليه على السواء. ينتج من ذلك أن قانون الأخلاق ليس فقط قاعدة للفرد بل هو أيضاً العامل لوحدة الروابط الحقيقية التي تربط الفرد بأمثاله. لئن كانت الحاجات تقرب بين الناس فإن المنافع تباعد بينهم إذا لم تكن تذكي بينهم نار الحرب. فلولا الاتحاد الأخلاقي لكانت الجمعية البشرية محالاً.

ولعمر الحق إن هذا لا يحتاج إلى أي تعليق لبيان صحة ما فيه من آراء. فهناك كثير من المبادئ الأخلاقية مسلمة بشهادة الواقع من الجميع لصدورها عن معين واحد، قد يختلف قليلاً أو كثيراً بعض الأحيان، لكنه واحد على كل حال.

على أن التاريخ يكشف لنا أمراً آخر يجب أن يكون موضع تقديرنا وأن نعلق عليه أهمية لها خطرها: المثل الأعلى الأخلاقي يقاسي الكثير من التقاليد في بعض الأزمنة والبيئات، هذه التقاليد التي تراها حجر عثرة في طريق المصلحين دائماً. تصفح تاريخ أمة من الأمم تجد في فترات مختلفة سعدت الإنسانية ببعض كبار الأحلام والفكر الراجح الذين كانت

<<  <  ج:
ص:  >  >>