لهذا يجوز الاعتقاد أن الكون لم يخلق خاصاً لغرض الحياة، هذا رأي يميل إليه السير جينز وغيره، والواقع أنه لا تناسب مطلقاً بين عظمة الكون والنتيجة الضئيلة الموجودة في بعض أجزائه والتي ترى أثرها في الحياة.
على أننا لا نعلم هل توجد شروط طبيعية كافية بذاتها لإيجاد الحياة، فَثَمَّ مدرسة تعتقد أنه عندما بردت الأرض كان لا بد من ظهور الحياة في أثناء ذلك، ومدرسة أخرى تقول إن حادثاً أولاً أوجد الكائن وأنه كان لا بد من حادث ثان ليوجد الحياة في الكائن.
على أن المركبات المادية للكائن الحي هي ذرات كيميائية عادية، هي الكربون كالذي نجده في دخان المصانع، والأكسجين والهيدروجين كالذي نجدهما في الماء، والأزوت الذي يُكوِّن الجزء الأكبر من الجو المحيط بنا - كل هذه الجزيئات والذرات الموجودة في الكائن الحي كانت موجودة حتماً في الأرض، هذه المولودة الجديدة، وقد حدث في وقت من الأوقات أن مجموعة من هذه الذرات - بطريق الصدفة - ترتب بالطريقة الموجودة بها اليوم في الخلية الحية، وكان لا بد من ذلك مع طول الزمن، كما كان لا بد للقردة الستة من أن تُسَطِّر يوماً أحد أشعار شيكسبير. وعلى هذا لنا أن نتساءل هل هذه الذرات بترتيبها هذا هي التي كونت بمفردها وبهذا الترتيب الخلية الحية؟ وبعبارة أوضح، هل الخلية الحية هي مجرد مجموعة من الذرات العادية مرتبة بشكل خاص أو هي شيء آخر؟
هل المادة الحية مجموعة من الذرات أو هي مجموعة من الذرات مضافاً إليها الحياة؟ وبعبارة أخرى هل يستطيع كيميائي ماهر أن يوجد لنا الحياة على أي شكل باستعمال عدد معين من الذرات أو تنقصه قوة أخرى غير العدد والترتيب؟
هذا ما نحاول أن نتناوله في المقال القادم. ويبدو لي أنه للإجابة على ذلك لا مناص من الدخول في عميق العلوم الطبيعية فنبدأ وصفاً وجيزاً للمادة وللمادة الحية وفق آراء العلماء اليوم.
وخلاصة القول أنه بالرجوع إلى فكرة ترجع في الواقع لشيء أشبه بحساب الاحتمالات وبالرجوع إلى جواز طول الزمن وجد العلماء مخرجاً وتفسيراً محتملاً لوجود الأرض ولوجود الحياة عليها، تفسيراً مبنياً على الصدفة.
في مثال ذكره العالم الكبير جان بيران الأستاذ الكبير هنري موتون إن اعتبرنا الحركة