ينالون منه بمؤلفات الدكتور طه حسين ومؤلفات هيكل باشا القديمة قبل كتاب (حياة محمد) و (منزل الوحي). وقد يسيء القارئ فهم تعليل الأستاذ الغمراوي ويتساءل: هل يعني الأستاذ الغمراوي أن نزعة التجديد دسيسة مقصودة مدبرة؟ أرجو ألا يجسم الوهم المسألة للأستاذ إلى هذا الحد، فإنه عالم قد اختبر البحث العلمي، وهو كالعلماء لا بد أن يترك التعليل البعيد ما دام هناك تعليل طبيعي له شواهد ونظائر في التاريخ كما أوضحنا بذكر ما كان من الشطط في نهضة إحياء العلوم في أوربا في القرن السادس عشر. فلو أن مؤرخاً زعم أن الوثنيين خفية راموا القضاء على المسيحية ببثهم الشهوات والمفاسد في الكتب الإغريقية ما كان تعليله بعيداً عن طريقة الأستاذ الغمراوي في تعليل شطط النزعة الحديثة إلى التجديد. أو لو أن مؤرخاً زعم أن الفرس والروم في صدر الإسلام أرادوا النيل من الإسلام ببثهم المفاسد والترف حسداً وحقداً ما كان تعليله بعيداً عن تعليل الأستاذ. أو لو أن مؤرخاً زعم أن مفكري الإغريق حاولوا إفساد العقائد الإسلامية في عصر الدولة العباسية ببثهم روح التفكير الحر المطلق من قيود الدين حنقاً وحقداً على الدين الإسلامي ما كان تعليله بعيداً عن تعليل الأستاذ. والحقيقة أننا ربما نكون قد فهمنا من كلامه عن أعداء الدين الإسلامي ومحاولاتهم القضاء على الدين الإسلامي بنزعة التجديد ومؤلفات المجددين المصريين أكثر مما يقصد الأستاذ، لأننا لا نستطيع أن نتصور أن عالماً جليلاً كالأستاذ الغمراوي يريد أن يقول: إن بين الدكتور طه مثلاً وبين أعداء الدين من الأوربيين تفاهما واتفاقاً على الدين الإسلامي. إنما ينبغي ألا يترك الأستاذ لجمهور القراء موضع لبسٍ، لأن اللبس في هذه الأمور قد تكون له عواقب خطيرة. ولا أدري لماذا اعترف الأستاذ الغمراوي بما في الأدب القديم من مفاسد ولم يستطع أن يعترف بما لهذه المفاسد من أثر في الأدب الجديد، وما هذه إلا خطوة بعد تلك الخطوة، وهي نتيجة لها؛ ولا يستطيع أن يخطو خطوة إلا وهو ينظر إلى خطوته الثانية؛ وقد خطونا خطوتين فاعترفنا أن الأدب الجديد به عيوب وأن بعضها يرجع إلى بعض المؤلفات الأوربية؛ فالخليق بالأستاذ أن يعترف بأن بعضها أيضاً أو أكثرها يرجع إلى قدوة المؤلفات العربية؛ والخليق به أن يعترف أن ليس كل الأدب الأوربي من نوع القصص التي كان يشكو من نشر السياسة الأسبوعية لها، وأن يتعرف أنه إذا كان بعضها صريحاً في تصوير الشهوات فإن بعضها جليل؛ وأن الصريح