هذا الدبوس الذي افتقدته صاحبته فلم تجده فارتاعت لفقده وهم أصحابها أن يقولوا قصة كقصة الخاتم، ولكن شابا لم يلبث إن التقطه فرده إلى صاحبته، فلم يضطرب رجال الأمن ولم يحتج رجال التحقيق إلى النشاط، ولم تزد الصحف على أن روت الخبر رواية يسيرة قصيرة في مكان غير ظاهر ولا ممتاز. وكنا نقارن بين قصة الخاتم وقصة الدبوس وبين حظ الخاتم وحظ الدبوس. وكنت أقول لأصدقائي وهم يبتسمون ويضحكون ويفلسفون: على رسلكم أيها السادة، فلو قد سألتم ذلك الخاتم أو ذلك الدبوس عما يعرفان من التاريخ، ولو قد أراد الخاتم وأراد الدبوس أن يقص عليكم بعض ما يعرفان لما ابتسمتم ولا ضحكتم ولا أغرقتم في الفلسفة هذا الإغراق. فليست قيمة الخاتم والدبوس في هذه الجنيهات التي تربى على الألف أو تبلغ المئات فحسب، ولكن قيمتها فيما يحملان من ذكرى وما يصوران من حياة، وفي هذه الصلة التي تصل بينهما وبين القلوب والنفوس. قال صديق ماكر: فحدثنا إذا عن خاتمك الذي فقدته، فقد يظهر انك فقدت خاتما أيضاً وان أمره قد ارتفع إلى رجال الشرطة ثم هبط إلى الصحف ثم ذاع بين الناس. قلت وانك لتتحدث عن هذا الخاتم هازلا كأنما تغض من أمره وتزدريه، فهل تعلم إني حزنت عليه حزنا شديدا! وهل تعلم انه ليس اقل خطرا ولعله اعظم خطر عندي من ذلك الخاتم وهذا الدبوس؟ وهل تعلم أنه يمتاز من ذلك الخاتم وهذا الدبوس بان له الحياة المصرية العأمة آثاراً باقية، به اصبح قوم دكاترة. وبه أدرك قوم آخرون إجازة الليسانس، وبه صرف كثير من أمور الدولة، وقضى في مصالح كثير من الأستاذة والطلاب أعواما، فحدثني أين يقع من هذا كله اثر ذلك الخاتم وهذا الدبوس في حياة المصريين؟ ومع ذلك فلم تبلغ قيمته ألفا ولا مائه، ولا عشرة من الجنيهات، استغفر الله، بل لم تبلغ قيمته عشرة من القرش، وإنما كانت قيمته قرش ونصف قرش ليس غير، اتخذته حين كانت الأشياء رخيصة، في ذلك الزمن، الذي كنا نستطيع أن نبلغ فيه بالقرش كثير من المآرب والحاجات، اتخذته في باب الخلق، خارج ذاتيوم من دار الكتب، وكنت في الرابعة والعشرين من العمر، وكنت أريد أن أسافر إلى اوربا، واظهر لي هذا السفر إني شخص من الأشخاص، يجب أن اذكر مولدي، واعرف سني، واقدر ما آتي من الاعمال، في ذلك الوقت بحثت عن شهادة الميلاد وكانت ضائعة، فعرفت سني وكنت أجهلها، وفي ذلك الوقت قيل لي من أتى عملا أو قالقولا وجب عليه أن يمضيه، فاتخذت