أما كيف بدأ شعر الدرام، وأما كيف وجد المسرح اليوناني فهذا ما لم يعرفه أحد حتى ولا آرسطو نفسه الذي يعتبر معاصراً لنهضة الأدب المسرحي في أوجه، والذي شهد روائع هذا الأدب تؤديها أقوى الفرق اليونانية في أعظم المسارح التي عرفها التاريخ، والذي أخذ نفسه بالدفاع عن الشعر عامة ونقض نظرية أستاذه أفلاطون في ذم الشعر وامتهان الشعراء
والنظرية الشائعة في ذلك، والتي اتفق على صحتها المؤرخون هي أن الشاعر آريون هو أول من حَوّر الإنشاد الفردي إلى إنشاد يقوم به خورس (فرقة) ويتولى توجيهه رئيس، وأنه هو أول من ابتكر أغاني الدثرامب (أغاني باخوس أو ديونيزوس إله الخمر والمرح والعربدة!) وهي أغان كان يمارسها الشعب على النمط الذي وصفه آريون إبان قطاف العنب
ثم جاء الشاعر ثسبيس (من قرية إيكاريا) فكان يرأس خورساً كبيراً وزع على أفراده أدوار غنائه مستغلا الدثرامب التي وضعها آريون ثم وسع دائرتها بحيث جعلها تشمل أغاني بان إله المراعي، فكان أفراد خورسه يلبسون رؤوساً تنكرية تمثل رؤوس الماعز، ولذلك كان يطلق عليهم لقب (المنشدين العنزيين) ولم يكونوا يمثلون درامات بالمعنى الذي نعرفه اليوم. بل كانوا ينشدون مقامات أشبه بمقامات الحريري والبديع تشمل كل منها حادثة واحدة معينة
ومن لفظة ? اشتقت لفظة تراجيدي للمأساة
ومن لفظة ? أي الأشياء التي تؤدي اشتقت لفظة درامة أي الأداء، وهي ألفاظ كانت شائعة في المحيط الديني في اليونان القديمة ثم أطلقت الدرامة على الرواية المسرحية فيما بعد
هذا وثمة آراء أخرى في أصل نشوء الدرامة، منها أنها نشأت في جزيرة كريت (إقريطش) حيث كان الأهالي يحتفلون كل سنة بإحياء ذكرى مولد سيد الأولمب (زيوس!) فكانوا يمثلون ميلاده ثم زواجه من حيرا كما كانوا يصنعون ذلك في آرجوس وفي ساموس
ثم نهضت أتّيكا - المقاطعة التي كانت حاضرتها أثينا - وعز عليها ألا يكون لها أدبها القومي الخاص فأقلمت الملاحم - كما صنع بيزاستراتوس - وأشعار الغناء، ثم نهضت بأدب الدرام على يدي ثسبيس الأيكاري الذي مثل بنجاح عظيم في سوقها سنة ٥٣٤،