للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تكويني، وعجيب أنه لم يذكر (موتون) يوماً شيئاً عن (ليب)، ولم أشعر أن أعمال الأخير شغلت يوماً حيزاً من فكر صديقي العالم

وعندما افترقنا في سنة ١٩٣٥ بوفاة (موتون) وبعودتي إلى مصر، اقتنيت بطريق المصادفة تلك الترجمة المتقدمة التي أخرجها الآن من مكمنها بين الكتب بعد أن ظلت محتجبة أربعة أعوام، لأستدل من رجل قضي سنين طويلة من حياته في البحث التجريبي على الإجابة على ما تقدم، ولأستدل على ما قد يُرضي رغبتي أن أجد في الحياة أمراً غير التفاحة التي نأكلها، والمحبرة التي أستملي منها

والواقع أنه قد نجح (ليب) وغيره نجاحاً باهراً في نواحي تجاربه العديدة، هذه التجارب التي هي آية في الدقة والتي تبعث على الإعجاب في الوصول إلى تفسير مادي لكثير من الظواهر الحيوية، هذه التجارب التي وإن انحصرت في مخلوقات كالأسماك والحشرات إلا أنها قد تمتد يوماً إلى الحيوانات العليا كالإنسان. وعند (ليب) وزملائه أن اتجاه الفراشة نحو الضوء في خط مستقيم ليس إلا أثراً ضوئياً - بل إن تلقيح البويضة وإمكان تطورها إلى مخلوق دون الالتجاء إلى الحيوان المنوي أو بالالتجاء إليه، له عند (ليب) ومعاصريه تفسير كيميائي طبيعي

على أنه إذا كان العلماء قد يحصلون الآن على مادة عديمة الحياة فإنه مما لا شك فيه أنه لم يمكن حتى الآن إلا تحضير مجموعة من نواة مختلفة للخلايا ولكنها مجموعة لا تصلح أن تكون خمائر تتكاثر وتحافظ على جنسها، بالشكل الموجودة فيه في الأحياء

لتكن عقائدنا بحيث يجمل بنا أن نمتلئ إيماناً بتقدمنا، يجمل بنا ونحن ندرس أعمال العلماء المجيدة أن نعتقد أنه إذا كان لم يتح لأحد منهم حتى اليوم أن يوجد المادة الحية بطريقة يتكون بها كائن يتناسل ويحافظ على جنسه من مادة مجردة عن الحياة فإنه ليس من حقنا ولا في مقدورنا العلمي، أن نجزم بأن هذه الغاية ضرب من المحال

إن أعمال (ليب) وغيره تدعو للإعجاب. وإذا كان قد نجح ونجح معه معاصروه في أن يُرجع كل التطورات التي تتم عند تلقيح البويضة إلى مسائل كيميائية طبيعية، بل نجح في تعهد بويضة لم يلقحها الحيوان المنوي بحيث نتج منها كائن له قلب ومعدة وهيكل عظمي، وتنقصه الدورة الدموية اللازمة لاستمرار الحياة، كائن استطاع أن يعيش على هذه الأرض

<<  <  ج:
ص:  >  >>