على ذلك تلك المشاهد الكثيرة التي تزدحم بها المآسي من مناظر الحزن وإبراز إمارات الأسى وتجصيص القبور في المناظر التي تقتضي ذلك.
هذا رأي طريف حقاً. . . لكنه رأي لم يشر إليه أحد من قدماء اليونان، لا أفلاطون ولا أرسطو ولا هيرودوتس ولا أحد ممن أرخ لهذا الأدب المسرحي العظيم. بيد أنه لا ينقض هذا الرأي عدم إشارة أحد من هؤلاء إليه. فهو رأي محترم لأنه منطقي ولأن الأستاذ قد أردفه برأي آخر في نشوء الدرامة الكوميدية كاد ينكر به ما تواتر به التاريخ وأجمع عليه العلماء من أمر نشوئها، فقد زعم أن الكوميدية لم تنشأ عن الدثرامب التي هي أغاني باخوس الخمرية المرحة، بل نشأت في قرية تدعى اشتهر أهلها بممارسة عبادة العنز لا عن تقي وورع بل اندفاعاً مع التيار. . . وآية ذلك أنهم لم يكونوا يظهرون إلههم الذي هو ديونيزوس أيضاً. . . في المظهر الذي كان ينبغي له بصفته أحد سادة الأولمب، بل هم كانوا يظهرونه في مظهر المخلوق المخمور العربيد الذي يثير مرآه الضحك ويبتعث النشوة والابتهاج، والسخرية أحيانا. فمن اسم هذه القرية اشتقت كلمة للملهاة ولفظة لشعرائها ومنشديها
ومع ما لهذا الرأي من قيمة ووجاهة فهو ما يزال يفتقر إلى إثبات وتدعيم.
هذا ولم تكن مناظر القتل وسفك الدماء تمثل على المسرح، بل كان يكتفي بدخول رسول فيفاجئ الممثلين والخورس بمقتل فلان أو الاعتداء على فلان. وهنا تتغير اتجاهات المأساة، وتبلغ أوجها بالخطبة الطويلة التي يلقيها هذا الرسول، لأنه يتناول شرح الاعتداء ووقته ومكانه وكيفيته والقائم به. . . الخ. وكانت المأساة في الغالب تنتهي بهذه الخطبة، فيظهر إله، خصوصاً في درامات يوريبيدز، فيلقي عظة أو عبرة، ثم يدخل الخورس إلى المحراب، وينصرف الجمهور إن لم يكن هناك تحكيم
وعلى ذكر الخطبة التي يلقيها الرسول نذكر أن الدرامة اليونانية لا تشبه بحال من الأحوال الدرامة التي نشهدها اليوم في مسارحنا. . . فدرامتنا تعتمد على الحوار القصير، أما الدرامة اليونانية فتعتمد على الخطب الطوال في أكثر الأحوال. . . ولم يوزع الشعراء اليونانيون بيتاً واحداً من الشعر على أكثر من ممثل واحد كما يصنع شعراؤنا اليوم ومنذ عصر شاكسبير. . . ومن الظريف جداً أن مترجمي الدرامات اليونانية القديمة من الإنجليز