لبثت هذه الحقيقة أن تبدت للناس وذاع إسلام مصعب، فأطبقوا عليه وسجنوه، ولكنه استطاع الهرب وخرج مهاجراً إلى الحبشة وسار حقد قريش في إثر المهاجرين إلى الحبشة فأرسلوا وراءهم بعثة من رجلين يطلبان إلى النجاشي أن يسلمهم إليهما ليردوهم إلى قومهم، ولكن النجاشي سأل المسلمين عن أمرهم، ولما أن علم منهم الخبر اليقين أبى أن يسلمهم وقد جاوروه ونزلوا بلاده واختاروا حمايته، قال المسلمون للنجاشي عندما دعاهم وسألهم عن أمرهم ما يأتي:
(أيها الملك، كنا أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسئ الجوار ويأكل القوي منا الضعيف حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا لتوحيد الله وألا نشرك به شيئاً ونخلع ما كنا نعبد من الأصنام، وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم، وأمرنا بالصلاة والصيام، فآمنا به وصدقناه وحرمنا ما حرم علينا وحللنا ما أحل لنا؛ فتعدى علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأوثان، فلما قهرونا وظلمونا وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلادك واخترناك على من سواك ورجونا ألا نظلم عندك أيها الملك) فقبل النجاشي رجاءهم ورد رسولي قريش خائبين
في ذلك الوقت بذلت جهود جديدة في مكة لإغراء محمد بالجاه والمال على أن يكف عن الدعوة إلى دينه، وضاعت كل هذه الجهود عبثاً. فلما عادا رسولا قريش إلى مكة يعرضان نتيجة سعيهما ضد المهاجرين إلى الحبشة، وكان قريش يترصدون خبرهما ويتحينون عودتهما، حدث حادث خطير، هو إسلام شخص كان من قبل أشد وأغلظ أعداء محمد، وكان يعارضه بحماسة وحّدة لا يحدهما الوصف، وكان المسلمون يعتبرونه بحق أقوى خصوم الإسلام وأشدهم، وأصبح بعد إسلامه من أعظم الشخصيات وأنبلها في الصدر الأول من تاريخ الإسلام، ذلك هو عمر بن الخطاب
حدث يوماً وهو في نوبة غضب على النبي أن خرج ومعه سيفه يريد قتله، فلقيه رجل من أقاربه فقال له: