للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

القلوب - فإن معجزة محمد صلى الله عليه وسلم تمتاز بأمرين: الأول أنها لا خلاف فيها لسنن الكون ولا مغايرة فيها لطبائع المخلوقات، والثاني أنها باقية مستمرة لا تنقطع على طول الزمان. وقد عرفتَ من غير شك أن هذه المعجزة هي (القرآن)

وكذلك جعلت الدعوة الإلهية تتطور وتنمو بتطور الإنسانية ونموّها على الأحقاب

إذن لقد نضجت الإنسانية أو أصبحت على وشك النضوج، وإذن لقد تجاوز الإنسان طور القِصَر وبلغ الرشد أو أضحى على شَرَف البلوغ

لقد أضحى الإنسان حقيقاً بأن يُرفع عن نفسه الحجر، وتُطلق له حرية التصرف في استنانه مناهج الحياة. إذ قد تهيأ له لو فكّر وتدّبر، أن يعرف ما ينفعه ما يضره، وما يسيئه في الغاية وما يسره، وأن يميز بين ما يسعده وما يشقيه، وما يعزه وما يرديه. فإذا أختلط عليه الأمر أو نَزَعت به العادة إلى الهوى، نُبَّه ذهنُه، وحُرَّك فكره، وُضربت له الأمثال، وأقيمت له الحجة يصول بها العقل كَل مَصال. (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي)

(أو لم ينظروا في ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شيء وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم، فبأي حديث بعده يؤمنون) الأعراف

(أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خُلقت وإلى السماء كيف رُفعت وإلى الجبال كيف نُصِبت وإلى الأرض كيف سُطحت، فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر) الغاشية. وهذان مثلان مما لا يدركه الحصر مما ورد في القرآن الحكيم

هذه دعوة محمد، وقد رأيت أن ما سبقها من دعوات الرسل إنما كان مقدمة لها وطريقاً إليها

هي الدعوة التي تسعى بالإنسانية إلى غاية كمالها من الطريق إيقاظ العقل، والفَسح في حرية الفكر، والتي تسعى بالإنسان إلى غاية سعادته من طريق اعتناق الفضائل، والتجرد من الرذائل. فبكظم الشهوة، والعفة، والرحمة، والإيثار، تستطيع هذه المجموعة البشرية أن تعيش على الأرض ناعمة بالرغد والدَّعة والسلام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق)

ولقد دعا محمد صلى الله عليه وسلم أول ما دعا، أهلَه وعشيرته من قريش، فكذبوه وشاّقوه وآذوه وأسرفوا في الكيد له والعَنَت عليه. وكيف له باستعانتهم على بث دعوته، ونشر رسالته التي أُرسل بها للعالمين، إذ هم أشدُّ من كفر بها وصدّ عنها وبغّض فيها ونفّر منها؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>