كل ما في الغرب جاءنا وعرفناه؛ فما كان فيه من خير وجدناه في ميدان الإسلام، وما كان فيه من نقص وجدنا كماله في الإسلام.
فماذا يحملنا على خلعه وإهداره إلا الضعف والسفه؟ ما الذي يحملنا على السير وراء قافلة ضائعة في بيداء ونحن في الطريق الواضحة التي عليها صُوىً وأعلام؟
ربما يكون السبب في تمرد بعض النفوس على الإسلام أن كثيراً ممن ينتسبون إليه الآن هم لعنات مجسمة تجمع القبح والجهل والسوء وتمشي في الأرض مشي الطاعون. . .
ولكن لأجل هذا يجب أن نجاهد. . . لأجل إنقاذ الإسلام من هذه الأجساد التي تلتصق به كما تلتصق القاذورات بمحراب جميل يجب أن نجاهد. . .
نريد أن نخلصه من المنتسبين إليه زوراً ونعرضه على الجاهِلية كأنه حقيقة تاريخية ضائعة قد عثر عليها باحث منقب في بطون الكتب والأسفار أو طبقات الأرض. . أجل، من مصلحة الإسلام أن يدرس على أنه نظرية ليس لها أناس يتبعونها وأن محمداً صاحب الإسلام قد ظلم في الماضي أكبر ظلم وقع على رجل في التاريخ! فلقد شوه الجهلة والمتعصبون والمجرمون اسمه في أوربا كتشويه اسم الشيطان. . . كل هذا لأنه نبي رسول من الله! والمسلمون الآن يشوهون اسمه بالجهل والذل. . .
وأقسم بالعدالة! أن محمداً لو لم يكن رجلاً إلهياً ممدوداً بوحي الله، وكان رجلاً بشرياً من أبطال التاريخ كالاسكندر أو سولون أو نابليون أو هولاكو. . . إذاً لحضي من تقدير الأوربيين بما لم يحظ به بطل. . .
إن ذكريات ابن سينا والفارابي والزهراوي وابن رشد والبتَّاني وغيرهم يحتفل بها في مجامع أوربا ويدرس تاريخها بنزاهة مع أنها ثمرات ضئيلة من ثمرات محمد. . . ولكن محمداً رجل الخير المطلق والحق المطلق لا تقام لذكرياته حفلات وجمعيات، وإنما تلصق به كل شنيعة وعضيهة. . .
بل لقد ظلم من كثير من أتباعه أيضاً؛ لأنهم صاروا يحسبونه رجلاً من رجال الآخرة فقط. . . يعد النفوس للموت وما بعده ولا يعدها للحياة هنا، فاتخذوا القرآن أوراداً وتسابيح وتعاويذ وتمائم، وتركوا التفكير والعمل بما فيه من آيات القوة والمجد والعزة والإعداد لهذه الحياة الدنيا. . . وافتتنوا ببضائع الفكر المجلوبة من الغرب كما افتتنوا ببضائعه المادية