للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

من فرسان المسلمين، فوطئه وأهانه وجعل الفرس يبول عليه. . . وكان يعرضها باكياً نادباً ناتفاً لحيته، منذراً بفناء النصرانية وضياع الدين، ويدعو إلى إنقاذ (القبر. . .) من أيدي (الكفرة المسلمين. . .) فذهب الهياج بالعقول، وأطار الأفئدة، وألغت الحماسة المنطق، ونسي الناس كل شئ إلا هذه النار التي سرت في العروق، ومشت إلى الدماغ فألهبته، فنهضوا يتبعون الراهب إلى حيث لا يعلمون، إلى إنقاذ (قبر المسيح. . .) من أيدي (الكفرة المسلمين. . .) الذين أهانوه وحقروه!. . .

وكانت هيلانة وزوجها من المؤمنين، فلما قالوا لهما إن المسلمين أكلة لحم البشر، وإنهم ذئاب الإنسانية، وإنهم عدو على المسيح. . نهضا يدفعهما الإيمان الذي عبث به القسوس، واستغلوه وأوقعوا في أبناء آدم هذه المذبحة المروعة، فأخذا الطفل الوليد وسارا مع الجموع - نحو بيت المقدس. . .

وعاودتها ذكرى زوجها الحبيب، فانفجرت باكية، فأيقظ صوتها صاحبتها فخرجت تراها. . .

- ما لك يا هيلين؟ لماذا تبكين؟ لم لم تنامي؟

فلم تجب واستمرت تبكي، فعادت ترفه عنها وتواسيها.

- ماذا عراك يا هيلانة؟ أجيبي، كلميني، لا تقتلي نفسك بسكوتك.

- لويس!

وخرج اسمه زفرة متصعدة من أعماق القلب، غارقة بالدمع، وعادت تبكي.

- اصبري يا أختاه. إنه في السماء، ثم إن عندك لويس الصغير، ألا تسمعين كيف يبكي؟ إنه ابنه يا هلين، ابن الحبيب، فعيشي من أجله. أريه ألوان لسرور والمرح، تسعد روح لويس في سمائها. هاك الطفل يا هيلانة، ألا ترين أن بكاءك يؤلمه؟

فأخذت هيلانة الطفل، تضمه إلى صدرها، وهي مغمضة العينين، وتقبله في عنقها الدافئ، وتمرغ وجهها في صدره. ثم تضع خدها على خده، وهي تهمس باسم لويس، كأنما تذكر فيه مولد الحب وقبلاته الأولى. . .

- ٢ -

وهجعت هيلانة وصاحبتها، وانطفأ هذا النور الكليل الذي كان ينبعث من الخيمة، ومرت

<<  <  ج:
ص:  >  >>