الإصبع الفاردة أحب إليّ من مائة ألف سيف شهير وسنان طرير. فلما فتح الله عليهم قال له: ما كنت تصنع؟ قال كنت آخذ لك بمجامع الطرق
وذكرت أن قواد المسلمين الذين دوخوا العالم، وأخضعوا الممالك، وملكوا الأرض، لم يملكوها بقوتهم وعددهم وإنما ملكوها بإيمانهم والتجائهم إلى الله، ورأيت السلطان قد وقف حياته على الجهاد في سبيل الله، وباع نفسه من الله، ولم يقصر في فريضة ولم يهمل نافلة، بل كان ينزل حيثما أدركته الصلاة فيصلي ويسمع الحديث بين الصفين، ولم يعرف عنه ميل إلى دنيا أو حرص على لذة من لذائذ العيش. فأيقنت أن دعاءه لا يرد، وأنه هو الولي إن عدّ الناس الأولياء، وهو التقي إن ذكر الأتقياء. فقلت له: قد وقع لي واقع وأضنه مفيداً إن شاء الله
قال: وما هو؟ قلت: الإخلاد إلى الله، والإنابة إليه، والاعتماد في كشف الغمة عليه
قال: وكيف نصنع؟ قلت: اليوم الجمعة، يغتسل المولى ويصلي ويتصدق بصدقة خفية على يد من يثق به ويدعو الله وهو ساجد فيقول:(إلهي قد انقطعت أسبابي الأرضية في نصرة دينك، ولم يبقى إلا الإخلاد إليك والاعتصام بحبلك والاعتماد على فضلك. أنت حسبي ونعم الوكيل)
وإن الله أكرم من أن يخيب من يلتجئ إليه!
- ٣ -
وقطع القاضي حديثه ونظر إلى تلك المرأة التي أقبلت تريد خيمة السلطان، وهي سافرة تصيح بلسان الإفرنج وتعول باكية تشير إشارات الفزع المروّع، فأقبل عليها يسألها ما خطبها. . . وكانت هيلانة بذاتها، أفاقت فلم تجد طفلها فخرجت من الخيمة جاحظة العينين مجنونة تصيح باسم ولدها وهي تعدو على غير هدى، تسير في كل سبيل تسأل كل من ترى على ولدها هل رأى ولدها؟ أين ذهب ولدي؟ ماذا أعمل؟ ساعدوني. فتشوا لي عن ولدي. أين ذهب؟ هل مات؟ من أخذه؟ أأكلته الذئاب؟ هل تدخل الذئاب إلى المعسكر؟ أم قد سرقه اللصوص؟ آه أين أنت يا ولدي؟ ألا تردونه عليّ؟ ارحموني يا ناس. فتشوا لي عن ولدي. . .
وانطلقت تعدو في أرجاء المسكر، حتى بلغت خيمة القواد فاقتحمتها، وهبطت على أقدامهم