للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

على هذه الوجوه، فلماذا لا تردون عليّ ابني؟

فلا يفهمون منها شيئاً، فتعود إلى صراخها حتى جاء رجل منهم يعرف لسانها فسألها:

- ومن هو ابنك أيتها المرأة؟

- ابني لويس. لويس. أنا هيلانة. ردّوه عليّ. أريد أن أقابل السلطان

فأخذته الرحمة فتركها تمر ودلها على الطريق إلى خيمة السلطان فذهبت تعدو

قال لها القاضي:

- ولكن السلطان الآن في شغل. يجب أن تنتظري ساعة

- لا. لا. أتوسل إليك، أخاف أن يصيب ابني سوء، فدعني أذهب إليه

فقال لها القاضي: اذهبي مع هذا الرجل. وأمره أن يدعها ساعة في خيمة الأسرى حتى يستأذن لها على السلطان، وينبئه نبأها. وظنت أنها في طريقها إلى السلطان، فسارت صامتة مسرعة، فلما دخلوا بها الخيمة ورأت الأسرى، عادت تصيح وتولول، فنبّه صياحها الأسرى، واستفاض حتى بلغ خيمة السلطان فبعث يطلبها. . . وكان في أقصى الخيمة أسير أضطرب لما رآها ووجف قلبه، ولبث بصره عالقاً بها حتى خرجت من حيث جاءت، فلبث مفكراً مشدوهاً، تطفو على وجهه خيالات أفكار هائلة وذكريات بعيدة، ثم تراخى رأسه فأسنده بكفيه، وظل ساكناً تنطوي جوانحه على البركان. . . الذي انفجر بعد دقائق، فنهض الأسير يصرخ صراخ الوحش الكليم: أريد أن أراها، أريد أن أراها. . .

وراع صياحه الأسرى وهم يعهدونه وديعاً كالحمل، فأقبلوا يسألونه، فلا يأبه لهم ولا يكلمهم، وأسرع إليه الحرس يكلمونه فلا يجيب إلا بهذا الصراخ، فرفعوا أمره إلى السلطان وأدخلوه عليه. . . فلما احتواه مجلس السلطان طأطأ رأسه ووقف خاضعاً، وكانت عظمة السلطان تملأ نفسه إكباراً له، وكان يحس فيها الشكر الخالص لما رأى من إكرام السلطان في هذه المدة الطولية التي قضاها أسيراً عنده، ثم رفع رأسه وجعل يقلب نظره في أرجاء المجلس فوقع على هيلانة وهي راضية مطمئنة وابنها في حجرها، وهي تنظر إلى السلطان نظرة شكر وحبّ، ثم رآها تنهض فجأة فتجثو بين يديه فتقبل قدميه وتتقاطر دموعها، فيتململ السلطان وينهضها. . . فلم يعد يتمالك نفسه، فأسرع نحوها على غير شعور منه، فلما رآه الطفل هتف به: بابا. . . ووقع بين ذراعيه. . . ونظرت المرأة مبهوتة لا تكاد تصدق ما

<<  <  ج:
ص:  >  >>