انصرف عن الإسلام بادئ الأمر وزوجته مسلمة فرق بينهما الإسلام، وهاجرت زينب، وبقي هو منصرفاً عن الإسلام؛ غير أن حنينه لزوجته لم يفتر، فكان يرسل لوعته الحرَّى في أبيات من الشعر الرقيق ويقول:
بنت الأمين جزاه الله صالحة ... وكل بعل سينبي بالذي علما
ثم خرج إلى الشام في تجارة لقريش، فعرض للقافلة زيد بن حارثة في جمع أرسله محمد عليه السلام، فغنموا المال وأسروا الرجال. وكان في الأسرى أبو العاص، فاستجار بزينب، فرجت أن تحقق إجارته وأن تحميه، وترقبت صلاة الفجر، وأبوها يؤم المسلمين، فلما انتهوا وقفت بباب المسجد ونادت بأعلى صوتها:(إني قد أجرت أبا العاص بن ربيع). فقال صلى الله عليه وسلم:(هل سمعتم ما سمعت؟) قالوا: نعم. قال:(فوا الذي نفسي بيده ما علمت بشيء مما كان حتى سمعت ما سمعتم. ألمؤمنون يد على من سواهم، يجير عليهم أدناهم، وقد أجرنا من أجارت) فلما أنصرف النبي صلى الله عليه وسلم إلى منزله دخلت عليه زينب فسألته أن يرد على أبي العاص ما أخذ منه، ففعل. . .
ولقد حسن شأن أبي العاص، وحلت الهداية قلبه، فعاد إلى مكة وأدى الحقوق إلى أهلها، ثم رجع إلى المدينة مسلماً، فرد رسول الله إليه زوجته زينب الوفية البارة.
رأى المشرع الإسلامي أن صيانة الأعراض وحرمة السير وكرامة الأسر من حقوق المجتمع، بل من أسباب بقائه ونموه؛ ذلك بأن الخلية الأولى من خليات المجتمع هي الأسرة، والأسرة لا قوام لها إلا بالرجل، يندفع لحمايتها، وينبعث لرعايتها، ويعاني أخطار الحياة، ويجوب العامر والخراب - كل ذلك ليوفر لأبنائه ولبيته أسباب الحياة وسعادة العيش؛ وما يدفعه إلى ذلك إلا حنان الأبوة، ووشائج النسل، وشعور ملتهب بأن الولد قطعة من أبيه، وفلذة من كبده، فمن أين تتم للرجل تلك الدوافع وهاتيك الوثبات إذا هو ارتاب أو حاك الشك في نفسه صحة انتساب ولده إليه، أو خلوص زوجته له. . .!
لهذا أحاط الإسلام المرأة بسياج حصين، وأمن الرجال على أنسابهم وأعراضهم، لصلاح مجتمعهم، ثم توعد - في أسلوب قوي رائع - كل من يمس قداسة الطهر، أو يتعرض - على غير علم - لصفة المرأة، أو جرى على لسانه الهُجْرُ والفحش في سيرتها. . .