الذي يقول بلسانه ما ليس في قلبه، والذي فر من مواطنيه اليونانيين حتى إذا لاحقوه وضيقوا عليه عمد إلى السم ليضع حداً لمهزلة حياته الفياضة بالمخازي؟ أين هذا الخطيب الذي يحفظ الأثر خُطبه كأنها المثل الأعلى للخطابة من الرسول الكريم الذي لم يكن ينطق عن الهوى، والذي ألف بخطبه بين أشد القلوب عنجهية وأفدحها جاهلية وأكثرها عصبية، فخلق منها أمة تعبد رباً واحداً بعد أرباب، وتنتشر من الصحراء بمصابيح الهداية فتملأ المشرقين والمغربين نوراً وهداية وحكمة وعرفاناً؟
ثم خطيب الرومان شيشرون! هذا الرجل الذي فضح مارك أنطوان بخطبه الرنانة. . ماذا ترك لخير الإنسانية من كل ما كتب وخطب؟ لقد كان محامياً مدرهاً، فهل كسب للإنسانية قضية كهذه القضية لتي كسبها لها محمد بن عبد لله؟ لقد كتب في القانون والفلسفة والأخلاق، فهل حل معضلاتها المعقدة كما حلها محمد بن عبد الله النبي الأمي؟ ولقد حفظ لنا الأثر كثيرً من خطبه ومقالاته، فهل فيها ما يرتفع إلى بيان محمد وبلاغة محمد؟ هل استطاع أن يضع للرومان دستوراً يحمي الجمهورية ويحول دون قيم الإمبراطورية كهذا الدستور الذي أوحي به إلى محمد، والذي يَسَّره الله بلسان محمد؟
ثم هذا دانتي. . . هذا الكاثوليكي القح. . . الذي يرفعه مؤرخو الأدب إلى ذروة المجد بما بهرج في الكوميديا الإلهية؟ ماذا جاء به من السحر في هذه المنظومة؟ لقد أثبتنا بما نشرناه في (الرسالة) أن كل شيء رائع في هذه القصيدة ليس من صنع دانتي، بل هو مما سرق دانتي من أخيلة القرآن وبيان الأحاديث في وصف الجنة ووصف الجحيم، وذلك بما أنتشر من ثقافة القرآن وثقافة الأحاديث بعد الحروب الصليبية وقبلها عن طريق الأندلس وعن طريق صقلية إلى فرنسا ثم إيطاليا
ثم هذا ملتون. . . فأين ما جاء في فردوسه من الحرب بين الشيطان وبين المسيح وأجناد المسيح مما جاء في القرآن والحديث من تحاور بين الله العلي وبين إبليس، وبين إبليس وبين ملئه الذين أغواهم فأدخلهم النار ثم تبرأ منهم وهو يرسف معهم في سواء الجحيم؟!
ثم هذا جون بَنْينْ! فماذا جاء به في (رحلة الحاج) مما ليس له مثل بل أمثال تبذه وتزري به في أدب محمد النبي الأمي؟
وهذا بيكون الأديب النائب العام والكاتب الأخلاقي الفيلسوف المرتشي الذي لم يرع لذي