. . . ووجد زيد غفلة من حراسه فأفلت يقصد قصده، متنقلاً بين الموصل والجزيرة إلى بلاد الشام، يسأل عن دين إبراهيم ويبتغيه
ومضى تتقاذفه البلاد يستطلع أنباءه بين أحبار اليهود ورهبان النصارى؛ فما منهم إلا من يبشره بنبي قد أظلّ زمانه، يبعثه الله بدين إبراهيم في أرض حجاز!
يا ناقُ سيري عّنَقاً فسِيحاً إن نبياً قد أظلَّ زمانه يبعثه الله بالهدى ودين الحق في أرض الحجاز. يا ناقُ هذا سبيلك إلى الوطن النائي يجمع شملك بالأحباب من آل عديّ بن كعب في أرض الهدى والسلام. يا ناقُ هذا فجر يوشك أن ينبثق بالنور فسِيري بي إليه أقبس من نوره نوراً لقلبي وسلاماً لروحي. يا ناقُ هذا يومُك المأمول تبرق شمسه في حواشي الأفق فأبلغيني مأملي قبل الغداة.
ذلك زيد بن عمر بن نفيل في طريقه إلى مكة يسعى نوره بين يديه إلى أمل يرجوه، فإنه ليحدو بعيره مغتبطاً جذلان أن يعود إلى وطنه ومرتع صباه فيظفر باُلحسْنَيَين من لقاء الأهل والولد وصحبة النبي القرشي الذي أظلَّ زمانه؛ وإنه ليغذُّ السير وفي نفسه شوق ولهفة، وعلى لسانه تسبيح ودعاء!
وانطوى الطريق تحت أخفاف البعير الذي أنضاه السرى وجهد السفر، فلما صار على قرب قريب من أرض الحجاز وأوشك أن ينعم بلقائه الأهل والولد ورؤية النبي الذي قطع مفازة الحياة سعياً إلى لقاه - عَدَا عليه من عدا أهل السبيل فصرعه قبل أن يبلغ حيث يريد، فإنه ليقول وهو يلفظ أنفاسه:(اللهم إني أُشهدك أني على دين إبراهيم!) يرحمك الله يا أبا سعيد!
. . . وأشرق الصبح على أرض الحجاز، وفاض النور من غار حراء يغمر بطحاء مكة ويسيل سيل العرم فيمحوا الظلمات ويدخل منه في كل دار قبس يضيء. وداعبتْ أشعةُ الصبح الضاحك نافذةَ الدار التي آوتْ زيد بن عمر بن نفيل عُمْراً من عمره، ثم هجرها ساعياً إلى الله يبتغي الوسيلة إلى دين الحق، فكان ولده سعيد بن زيد وزوجه فاطمة بنت الخطاب - من السابقين الأولين في الإسلام!
وعاد نور والإشراق إلى الدار التي يُعْزَى إليها أولُ مذكر بدين إبراهيم على حين غفلة