للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

إنصاف الخازن وعلى نشر مآثره بين المتعلمين والمثقفين، فهم أولى الناس بذلك، وأحق من غيرهم بالقيام بهذا العمل الجليل. ولنا من حماستهم للتراث العربي والإسلامي ما يدفعنا إلى لفت أنظارهم إلى حياة الخازن الحافلة المليئة بالإنتاج التي أحاطها الإهمال من كل جانب.

وضع الخازن كتاباً في الميكانيكا سماه (كتاب ميزان الحكمة) هو الأول من نوعه بين الكتب القديمة العلمية القيمة، وقد يكون هو الكتاب الوحيد المعروف الذي يحتوي على بحوث مبتكرة جليلة لها أعظم الأثر في تقدم الأيدروستاتيكا، وقد قال عنه الدكتور سارطون إنه من أجل الكتب التي تبحث في هذه الموضوعات وأروع ما أنتجته القريحة في القرون الوسطى. والذي يطلع على بعض مواد هذا الكتاب تتجلى له عبقرية الخازن وبدائع ثمرات التفكير الإسلامي والعربي. واعترف (بلتن) في أكاديمية العلوم الأمريكية بما لهذا الكتاب من الشأن في تاريخ الطبيعة وتقدم الفكر عند العرب

لا يجهل طلاب الطبيعة أن (توريشيللي) بحث في وزن الهواء وكثافته والضغط الذي يحدثه. وقد مر على بعضهم في تاريخ الطبيعة أن (توريشيللي) المذكور لم يسبق في ذلك وأنه أول من لفت النظر إلى هذه الموضوعات وبحث فيها وأشار إلى أهميتها

والواقع غير هذا، فلقد ثبت من كتاب (ميزان الحكمة) أن من بين المواد التي تناولها البحث مادة الهواء ووزنه. ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل أشار إلى أن للهواء قوة رافعة كالسوائل وأن وزن الجسم المغمور في الهواء ينقص عن وزنه الحقيقي وأن مقدار ما ينقصه من الوزن يتبع كثافة الهواء

وبيّن الخازن أيضاً أن قاعدة (أرشميدس) لا تسري فقط على السوائل بل تسري على الغازات، وأبدع في البحث في مقدار ما يُغمر من الأجسام الطافية في السوائل. ولا شك أن هذه البحوث هي من الأسس الذي عليها بنى علماء أوربا فيما بعد بعض الاختراعات الهامة كالبارومتر ومفرغات الهواء والمضخات المستعملة لرفع المياه

ولسنا هنا ننتقص من قدر توريشيللي وباسكال وبويل وغيرهم من العلماء الذين تقدموا بعلم (الإيدروستاتيكا) خطى واسعة، ولكن ما نريد إقراره هو أن الخازن قد ساهم في وضع بعض مباحث علم الطبيعة وأن له فضلاً في هذا كما لغيره من الذين أتوْا بعده، وقد توسعوا

<<  <  ج:
ص:  >  >>