أما في الميدان الغربي فإن جزيرة صقلية كانت تحت حكم الأغالبة من العرب من أوائل القرن العاشر إلى أواخر القرن الحادي عشر. وبعد سقوط هذه الجزيرة في أيدي النرمانديين ظلت اللغة العربية لغة الكتابة والتأليف بجانب اللاتينية والإغريقية، ولقي العلماء من المسلمين واليهود كل تشجيع وعطف من الملوك المسيحيين، وبخاصة فردريك الثاني ملك صقلية الذي جمع بلاطه كثيراً من نخبة الفلاسفة والأطباء والمنجمين وعلماء الرياضة. وكذلك شجع الملك روجر الصقلي العلماء على التأليف والترجمة إلى اللغة اللاتينية، إما من العربية، وإما من الإغريقية. وكانت هناك علاقات صداقة قوية بين البلاط الإنجليزي، وبين بلاط الملك روجر الصقلي الذي عهد بمنصب ديوان الإنشاء في بلاطه إلى إنجليزي يسمى وقد مهد هذا الإنجليزي لكثير من العلماء الإنجليز الإقامة في بلاط الملك روجر والاتصال بعلماء العرب، وترجمة بعض مؤلفاتهم، ونقل بعض الثقافة العربية إلى ثقافتهم. وكذلك نجد إنجليزياً أخر تشير إليه السجلات الصقلية العربية باسم (القائد برون)، واسمه بالإنجليزية وقد شغل وظيفة القضاء في البلاط الصقلي، وعرف اللغة العربية، ثم عاد بعد ذلك إلى إنجلترا حيث اختاره الملك هنري الثاني وزيراً للمالية سنة ١١٥٨ م. وقد كان من نتيجة هذا الاتصال بين علماء الإنجليز وعلماء العرب في البلاط الصقلي أن أخذ الإنجليز عن العرب طرق البحث الفلسفية، وترجموا بعض الرسائل في الفلك والرياضة.
أما في الأندلس فإن تعاون المسلمين واليهود والمسيحيين في البحث والتأليف، وتسامح الولاة من المسلمين، وازدهار الحركة العلمية والأدبية قد فتح الطريق أمام طلاب العلم من ممالك أوربا المختلفة فوفدوا إلى المعاهد الإسلامية الأندلسية للدراسة والترجمة إلى لغاتهم. ونذكر من بين هؤلاء ادلار الباجى الإنجليزي الذي سافر كثيراً في الشام وصقلية ثم درس في طليطلة، وحين عاد إلى إنجلترا أدهشه ما وجد عليه القوم من جهل بعلوم العرب وفلسفتهم (كما يقول هو) فأدخل في الثقافة الإنجليزية والفلسفة طريقة التفكير الحر في البحث. وكذلك ترجم من العربية رسالة في الفلك اسمها (الأزياج) واستبقى كثيراً من الكلمات العربية في ترجمته، وألف كتاباً سماه (المعضلات الطبيعية) اعترف فيه بفضل