وقوع مثل هذا من عالمين فاضلين كالشارحين؟ إني أترك للقارئ الحكم على هذا العمل فالقول لا يتسع له.
وأعجب ما في عناية الشارحين باللغة أنهما حاولا أن يشرحا كل شيء حتى شرحا البديهي أو ما هو أوضح من البديهي. وقد تعجب من قولي أوضح من البديهي! ولكن أسمع، فهما في ص ٧٣ يعلقان على كلمة أصبح بقولهما:
(١) أصبح: دخل في الصباح!!. وهذه مسألة أخرى أثارها تفسير الشارحين لكلمة أصبح. هل نحن الذين ندخل في الصباح أم الصباح هو الذي يدخل علينا؟ وهل الصباح هو الواقف ونحن المتحركون، أم هو المتحرك ونحن الجامدون!!!
ماذا يسمي القارئ هذه العناية بالصغائر، وتفسير ما لا يحتاج إلى تفسير، والإغضاء عما في كتب السابقين من اضطراب، من رجلين وكل إليهما أمر إصلاح العربية في وزارة المعارف وفي مجمع اللغة؟!
نعود بعد ذلك إلى تتبع سقطات الشرح بحسب ترتيب الكتاب فنقول:
في ص ٢٧ يقول الجاحظ:(ولك في هذا الكتاب ثلاثة أشياء: تبين حجة طريفة، أو تعرف حيلة لطيفة، أو استفادة نادرة عجيبة) فيضبط الشارحان كلمات: تبين وتعرف واستفادة بالكسر، ولا يتركان هذا الضبط دون تنبيه على سببه حتى كان يصح أن نحمل الخطأ فيه على الطابع الذي نحمله في كثير من الأحيان ما لا جناية له فيه، حتى لقد أسودت أعضاؤه وثيابه من تحمل غلطاتنا كما أسود الحجر الأسود من مسح الناس ذنوبهم فيه.
لم يترك الشارحان هذا الضبط الخاطئ من غير تعليق بل لقد علقا عليه بقولهما:(٣) تبين بدل من أشياء. وأنا أربأ بكل قارئ عن أن أوجه إليه بيان الخطأ في ذلك فهو أمر ظاهر لكل من به مسكة من نحوية، ولكني أوجه قولي في ذلك إلى طلاب السنة الثالثة أو الرابعة من المدارس الابتدائية فأقول لهما إذا قلنا حضرني ثلاثة رجال محمد وعلي ومحمود، أليس محمد بدل بعض من لفظ ثلاثة لأنه بعضها، وإذا ضممناه إلى أخويه كان المجموع هو المدلول (ثلاثة) فكيف يجوز الإبدال من لفظ أشياء في جملة الجاحظ وهي بمثابة كلمة رجال في جملتنا هذه الصغيرة؟ ألم يقل النحاة إن البدل على نية تكرار العامل، فإذا أبدلت من كلمة رجال كان تقدير الكلام حضرني ثلاثة محمد وعلي ومحمود (بالإضافة). فهل