كنزاً من الحكمة، وأن في طيها الغنيمة الباردة؟ حتى إذا فتشها وكشف عن سرها وسهر ليالي متوالية فيها حصل على (أن وفاءكما يا عاذليّ بأن تسعداني إذا درس شجاني، وكلما ازداد تدارساً ازددت له شجواً كما أن الربع أشجاه دارسه). فما هذا من المعاني التي يضيّع لها حلاوة اللفظ، وبهاء الطبع، ورونق الاستهلال، ويشحّ عليها حتى يهلهل لها النسج ويفسد النظم، ويفصل بين البا ومتعلقها بخبر الابتداء قبل تمامه، ويقدم ويؤخر، ويعمى وُيعوص. ولو احتمل الوزن تركيب الكلام على صحته فقيل: وفاؤكما بأن تسعدا أشجاه طاسمة كالربع. أو وفاؤكما بأن تسعدا كالربع أشجاه طاسمه. لظهر هذا المعنى المضنون به المتنافس عليه. . . الخ
وقال المتنبي في مدح سيف الدولة:
وقفت وما في الموت شك لواقف ... كأنك في جفن الردى وهو نائم
تمرّ بك الأبطال كلمى هزيمة ... وثغرك وضّاح ووجهك باسم
فقال سيف الدولة: ينبغي أن تطبّق عجز (البيت) الأول على الثاني وعجز الثاني على الأول وأنت في هذا مثل امرئ القيس في قوله:
كأني لم أركب جوادا للذّة ... ولم أتبطّن كاعبا ذات خلخال
ولم أسبأ الزقّ الروىّ ولم أقل ... لخيلي كرّى كرًّة بعد إجفال
قال المتنبي: أدام الله عز مولانا؛ إن صح أن الذي استدرك هذا على امرئ القيس أعلم منه بالشعر فقد أخطأ امرؤ القيس وأخطأت أنا. ومولانا يعرف أن البزاز لا يعرف الثوب معرفة الحائك لأن البزاز يعرف جملته، والحائك يعرف جملته وتفصيله؛ لأنه أخرجه من الغزلّية إلى الثوبية؛ وإنما قرن امرؤ القيس لذة النساء بلذة الركوب للصيد، وقرن السماحة في شراء الخمر بالشجاعة في منازلة الأعداء.
وأنا لما ذكرت الموت في أول البيت أتبعته بذكر الردى ليجانسه؛ ولما كان وجه المنهزم لا يخلو من أن يكون عبوسا، وعينه من أن تكون باكية قلت: ووجهك وضاح وثغرك باسم لأجمع بين الأضداد في المعنى.
٢ - ومن قولهم في نقد الشعراء:
كان النابغة أحسن الناس ديباجة شعر، وأكثرهم رونق كلام، وأذهبهم في فنون الشعر