للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بكلمة ثناء تخفف ما أصارتني ليلى إليه: فقد رجعت من دارها مفطور القلب مصهور الروح. وإن رأيتموني أحدثت في عالم الطب بدعة سيئة فاغفروا ذنبي، فحسبي من المحنة أن أسكب الدمع كل يوم ما أسرفت على نفسي من الهيام بأودية المعاني، والضلال في هوى الملاح. أعاذك الله من بلاء الحب، ونجاك من فتك العيون السود!

أتذكر أيها الوزير الجليل كلمة جاءت في كتاب (ثورة الأدب) الذي ألفه كاتب من أقطاب الكتاب في هذا الجليل؟

أتذكر أن ذلك المؤلف قال: إن هناك آفاقاً من المعاني يتحاماها كتاب العصر الحديث؟

فما رأيك في من يكفر عن سيئات أولئك الكتاب فيتحمل المشاق في ارتياد تلك المجاهيل؟

لقد اقتحمت تلك الآفاق بلا زاد ولا ماء، وأنا أعرف أني أعرض سمعتي للأقاويل والأراجيف، لأن الناس عندنا لا يفهمون كيف يدخل الطبيب على نفسه ليشرح على حسابها أهواء النفوس والقلوب والعقول؟

اقتحمت تلك المهالك وليس لي إلا سناد واحد هو الشعور بأني أودي خدمة للأدب والطب. وهل يخدم الأدب والطب بأفضل من التغلغل في تشريح النزعات والأهواء؟

وهل كنت أملك الفرار من الصنع الذي صنعت؟

لقد قضيت نحو تسعة أشهر في بغداد وأنا في حوار موصول مع ليلى وظمياء، وأنت تعرف كيف يتعرض القلب - حين يألف مثل هاتين الشيطانتين - للطواف بأركان الحقائق والأباطيل

أقول هذا وأنا أشعر بأني لم أوفق كل التوفيق في تدبيج هذا التقرير لأنه خلا خلواً تاماً من شوائب الرياء، في وقت صار فيه الرياء سيد الأخلاق، وإلا فما الذي كان يمنع من أن أضيف إلى نفسي وإلى ليلى محامد ومناقب يسير بها الركبان؟ ما الذي كان يمنع من أن أقول إن ليلى لم تعتب علي مرة واحدة وإني كنت في هواها أعقل الناس؟

منع من ذلك التعقل مانع واحد هو الغرام بالصدق. منع من ذلك أني أشعر بأن الأدب العربي أصبح على شفا الهاوية بفضل شيوع التدليس في تصوير العواطف والغزائز والطباع

منع من ذلك أني أبغض أشد البغض أن تشعر وأنت تقرأ هذا التقرير بأن فيه شيئاً من

<<  <  ج:
ص:  >  >>