الزور والبهتان
وهل من القليل أن تراني وصلت إلى ضمير الحياة العراقية ثم وصفته بأسلوب يخفي سحره الدقيق على هاروت وماروت؟
في هذا التقرير، أيها الوزير، ما يشبه التحامل على الأطباء ولي في ذلك عذر مقبول.
فأنت تعرف أن الحكومة كانت أوعزت إلى الجمعية الطبية المصرية أن تقيم مؤتمرها العاشر في بغداد لتعينني على مداواة ليلى المريضة في العراق.
ولكن أولئك الأطباء حاربوني وقاتلوني بلا ترفق، وقد جزيتهم بما يستحقون، وأنا مع ذلك أشعر بأني أحسنت إليهم كل الإحسان.
أما يكفي أن أصور بقلمي فلماً للمؤتمر الطبي العاشر، فلماً رائعاً لم يشهد مثله الناظرون؟
سترى في هذا التقرير أن ليلي - وإن بالغت في الدلال - لم تضمر غير الحب ولم تمنح الواشين الآثمين غير الصد والإعراض
سترى أن ليلى عرفت أني لم أكن إلا طيفاً زار في السحر بساتين الكرخ وبغداد.
ويؤذيني أن أعرف أنه قد يصعب أن أرى ليلى بعد اليوم فقد قيدني أهلي وأبنائي بقيود من حديد، وقهروني على أن أعترف بأني من مصر لا من العراق
وإن رأيتم في هذا التقرير حبسا شديداً للأمة العراقية فلا تعجبوا، فما ذقت طعم الحياة إلا في العراق، ولا رأيت صدق القلوب إلا في العراق، ولا عرفت جمال النيل إلا بعد أن رأيت لون مائه في دجلة والفرات
وما أسفت على شيء كما أسفت على أن لم يقدر لشاعرنا شوقي أن يزور العراق.
وقد دعوتكم إلى زيارة العراق، فمتى تجيبون؟
أحب أن أعرف متى أراكم في العراق بين قومي وأهلي؟
أحب أن تسمعوا سجع الحمائم في الموصل، وأن تروا غابات النخيل في البصرة، وأن تعانوا بقايا السحر في بابل، وأن تكحل أعينكم بغبار الصحراء في النجف، وأن تستصبحوا بظلام الليل في بغداد
أدعوكم أيها الوزير إلى زيارة الأماكن التي قضت بأن يتموج هذا التقرير بعباب الهدى والضلال.