أنشئت من أجله هذه المسارح هو تمهيد الحقل الفكري لإنتاج أدب الدراما المحلية. ولا بأس في نفس الوقت من إعطاء فكرة عن تطور الأدبيان المسرحية في أمم العالم وعرض صور منها بين قديم وحديث، إلا أن التجاريب دلت على أن البرامج ذات المسرحيات (الكلاسيكية) التي يتكلف إخراجها الشيء الكثير من المال لا تحدث تغييراً محسوساً في الإيرادات ولا ترتفع بالميزانية إلى درجات خطيرة، ومن هنا ظهرت قيمة الشعب الروحية وبرهن جمهور النظارة على أن له رغبة يجب أن تطاع، وأثبت للقائمين بالأمر المسرحي أن بيده توجيه الحركة الفكرية والإنتاج الفني إذ أقبل بكثرة على المسرحية العصرية (والأوبريت) وفضل على الـ (كلاسيك)
وقد أثرت السينما في المسرح النرويجي كما أثرت في نفس الوقت على جميع مسارح العالم؛ وهذا شيء ملموس بطبيعته. ولعل أهم ما فيه هو رخص أسعار دور السينما وتكرار المشاهد فيها وسرعة تغيرها. . . ولكن الأثر الذي أحدثته السينما في العالم المسرحي شيء وما أحدثته في بلاد النرويج شيء آخر، أحدثت ما يمكن أن نسميه بالموقف الغريب إذ لم يسبق أن وفقت الحكومة في أي من دولة من دول العالم مثل الموقف الذي وقفته حكومة النرويج من أزمة المسارح وكسادها بسبب منافسة السينما لها، إذ راحت البلديات النرويجية تساعد بالمال كل مسرح قومي، ولكن هذه المساعدات المتكررة لم تستطع موازنة المالية كما أنها لم تؤثر في الإيراد ولم تصلح الميزانية العامة، الأمر الذي أجبر الحكومة على التنازل للمسارح هناك عن جزء كبير من إيرادات اليانصيب الحكومي، وقد حدث هذا في مستهل عام ١٩٢٧
والأدب المسرحي النرويجي يكاد يكون الأدب الوحيد الذي يقوم على دعائم قوية معززة، فنراه يطرق السياسة ويحلل أساليبها، ويتحدث عن الاجتماع والإصلاح وينقده، ويطلع الشعب على آراء جديدة في الفلسفة واللاهوت دون أن ينسى السخرية من بعض النظم والرغبة في هدم القديم ليقوم على أنقاضه جديد مدعم البنيان. والنهضة الأدبية المسرحية هناك تقوم على أكتاف الشباب الذين أذكر منهم الكاتب المسرحي الراديكالي:(نورداهل جريج) الذي يحبه الشعب ويعرف فيه ميله إلى السلم وكثرة دعوته إليه في كل كتاباتة، وزميله هلج كروج الذي تشبع بروح الكاتب الايرلندي الساخر برناردشو وحاكاه في