للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فيهدأن ويختفي الجميع بذهابهن إلى مأواهن في حفل رهيب

هذه هي أرفع درامات إسخيلوس بل أرفع درامات الأدب اليوناني إذا استثنينا درامة برومثيوث للشاعر نفسه. . . وقد سخر فيها الشاعر بهذه الشريعة العجيبة التي تنافي العدالة المطلقة التي جعل لها الفوز والغلبة في النهاية. . . وكان إسخيلوس ماهراً في تلك الدرامة إلى آخر حدود المهارة فقد استدرج اليونانيين حينما أراد إصلاح وجهة نظرهم إلى تلك الأغوال التي يدعونها ربات العذاب حتى جعلهم يؤمنون أنها ينبغي أن تكون لخير الإنسانية لا لذعرها، ولنشر السلام لا لتعميم الذعر والأذى. وهكذا استطاع إسخيلوس أن يبشر بدين جديد من دون أن يحدث ثورة، وكان جل إيمانه بسيادة عليا تهيمن على الكون وتسير به إلى الكمال كما سنرى في برومثيوث

٧ - برومثيوث:

أخذ إسخيلوس موضوع ثلاثيته من أسطورة برومثيوث الخالدة وتتلخص فيما يلي:

بعد أن فرغ إيروس (كيوبيد) من توشية الأرض وزخرفتها بالنبات، عَمَرها بالحيوان، ثم دعا إليه الإلهين برومثيوث وإبيمتوث ليخلقا فيها حيواناً راقياً تكون له السيطرة على سائر صنوف الحيوان ويسمياه (الإنسان). فلما صنعاه سألا إيروس أن ينفخ فيه أنفاس الحب (روح الحياة) كما سألا مينرفا أن تنفخ فيه من روحها (روح الحكمة). فلما دبت الحياة في هذا المخلوق العجيب زُهي برومثيوث وشاعت فيه الكبرياء واعتزم أن يهدي إلى الإنسان منحةً جزيلة تفتح له أبواب المدنية وترقى به في مدارج الحضارة. . . وكانت النار إلى ذلك الحين حقاً خالصاً للآلهة وكان لهم دون غيرهم (امتياز) استعمالها، فاعتزم برومثيوث أن ينسرق إلى الأولمب ليحضر للإنسان جذوة من النار المقدسة فأحكم تدبيره وتغفل سيد الأولمب (زيوس) وسرق الجذوة ثم آب إلى الأرض دون أن يشعر به أحد. . . ومضى حين من الدهر، وتلفت زيوس من عليا سمواته فشهد النار تتأرجح في أطراف الأرض فهاج هائجه، وأقسم ليعذبن السارق عذاباً شديداً. ويعرف أن السارق هو برومثيوث فيأسره ثم يذهب به في أقل من لمح البصر إلى جبال القوقاز حيث يقيده ويربطه بسلاسل وأصفاد في قمة جبل هناك ويسلط عليه باشقاً من جوارح الطير فيظل ينهش كبده نهشاً شديداً. . . وهنا يبدأ إسخيلوس الحلقة الأولى من درامته. . . فهذا برومثيوث مُصفَّداً بالأغلال صابراً

<<  <  ج:
ص:  >  >>