يايتس في الكتابة والنظم، وبين مركزه عند وفاته، لقد كانت أيرلندا قبل يايتس لا وجود لها على خريطة العالم الأدبية، ولكنها بقيادته أضحت مثوى للعبقرية. فليس لأديب من أدباء هذا العصر أن يفخر بعمل أجلّ من عمله وأبرز)
- ٣ -
لقد التقت في (يتس) تأثيرات أيرلندية وإنجليزية وأوربية، فهو فنان رمزي، أو لعله شبه رمزي، يستمد الوحي والمادة من تقاليد أيرلندا القديمة، ومن أساطيرها البعيدة، ومن مشاهد أريافها وأرضها وسمائها، وقلما التفت إلى أهل البلاد أنفسهم، (ولكن أليست عبقرية البلاد ساكنيها؟) ويقوم شعره وخصوصاً في شبابه - وشعر شبابه قد يكون أروعَ من شعره فيما بعد، وأصدق عبارة عن طبيعة عبقريته - على صوفية رقيقة تذكر في غرابة أحلامها وشدة أسرها بصوفية (بلايك) وقد تميل إلى الرمزية وخصوصاً في مجموعته الموسومة (بالريح بين القصب) وقد ظهرت قبل بدء هذا القرن وبعد اتصال الشاعر (بملارميه) كما يقوم شعره على الألوان الغاسقة والأضواء الخافتة بوجه عام
ولفظه صقيلٌ نقيٌ بسيط. وهذه الصفة وإن غلبت على الشعر الرمزيّ والصوفيّ على العموم، لكنها في شعر يتس ترجع أيضاً إلى تأثره (بمدرسة ما قبل رفائيل). وهي مذهب في الشعر يتعلق بمذهب في التصوير تقدَّم عليه، وأساسه الرجوع بالأسلوب إلى أبسط الصور الممكنة مع العناية المبالغة بجماله وروعة إيقاعه، ثم قَصْرُه على التعبير عن معانٍ عاطفيّةٍ أو خياليّةٍ خالية من تعقيد الفكر والفلسفة. (فالفن) فوق كل اعتبار، والفنّ هو دينُ هذه المدرسة التي لا تدين بغيره. ومما يلاحظ ههنا أن أساطين هذه، ومنهم يتس، جمعوا بين فن التصوير وفن الشعر.
ولعلنا لا نغلو إذا نحن قررنا أن هذا الحس بجمال الشكل بلغ في يتس حدّاً هو إلى الإعجاز أدنى.
وليس فهم يايتس بالمطلب الهين الداني؛ ولكنك إن فهمت معنىً من تلك المعاني (الضبابية) القصية الحاملة لجو (اللاشعور) السحريّ الغاسق، ارتد جزءاً من أجزاء نفسك لا يتجزأ، وعنصراً من عناصر حياتك لا ينفكّ يعمل فيك عمله.
وليس يايتس بشاعر من (شعراء الطبيعة) - إن قصدنا بالطبيعة الطبيعة الخارجية - وإنما