قرأت مقالكم الشائق (رسالة الأزهر) وأعجبت به وهزتني نشوة الطرب لأنه بشير بعدة مقالات لعلمي بصرخاتكم الاجتماعية والدينية الاستنهاضية
بيد أنني قد رأيت في حكمك على مسلمي يوغوسلافيا شيئاً من الشدة لعل سببها عدم إلمام الذي رويتم عنه - بأحوال المسلمين هناك، وإني مسلم عربي أعرف أحوال المسلمين في يوغسلافيا وأدواءهم لأني عرفت القوم وعاشرتهم وأقمت بين ظهرانيهم
لذلك أعلن أن البوسنيين والهرسك وهما العنصران اللذان يدينان بالإسلام في يوغسلافيا - لا يؤمنون بالصوفية الزائفة ولا يدينون بالخرافات، إلا أن فيهم جهالاً وفي طباعهم شيء من الشدة وفي تمسكهم بالدين شيء من العصبية لعل سببها أنهم مطوقون بالأمم الأجنبية التي لا تعتقد عقيدتهم ولا تدين بدينهم
ولئن كانوا يمتازون عن مواطنيهم بشيء فإنما يمتازون عنهم بطرابيشهم الحمراء القانية وعمائمهم البيضاء الناصعة، ثم بجرأة المسلم وعزة المؤمن والنشاط الإسلامي الذي لا يلهي بدنيا ولا يصرف عن دين
ولئن كانت العجمة والأمية تحولان بين المسلم الأوربي وبين دينه، فطغيان العامية وانتشار الأمية، وشظف العيش، وأعاصير السياسة وعسف السلطات، والأمراض الفتاكة في الشرق العربي كفيلة بصرف المسلم عن دينه والحيلولة بينه وبين فهمه.
ولقد طفت الشمال الأفريقي كله وتجولت في مصر، والشام، والحجاز والعراق، واختلطت بالعامة وتغلغلت في طبقات المتعلمين فما وجدت فرقا بين هذه الشعوب.
وما أراها أحسن حالاً من مسلمي يوغوسلافيا ولا سيما إذا صرفنا النظر عن طائفة القرويين في مراكش، والزيتونيين في تونس، والأزهريين في مصر، وجماعة النجف الأشرف في العراق
فالمسلم العامي في يوغوسلافيا لا يختلف في عقيدته، وعقليته، وعاداته عن أخيه المسلم