ثم عادت السيدة فأخرجت من المغلف الثاني نموذجاً لثوب العرس الذي ارتدته الملكة فكتوريا ليلة زفافها، وقد صنع من القصاصات التي تخلفت من قماش ذلك الثوب. أما نموذج الثوب، فكان تحفة ثمينة، وأثراً بارزاً يشير إلى بعض عواطف الإنجليز، وهم ناس تقاليد وناس وفاء وشمائل نبيلة كم أرجو أن ينال أفراد الشعبين: المصري والإيراني منحة تحفظ في ذاكرة الأجيال!! لا يخالجني شك في أن عبقرية الزوجين الكريمين ستكوّن طاقة من الزهر تشم في نسمات الخلود
يا أميرة النيل: إني أتخيلك وأنت آمنة الآن إلى خلجات قلبك، مفكرة في رياض المستقبل بما تحويه من أزهار وأثمار وأطيار، لا تلبث أن تصبح بلابل القصر المرمري العامر؛ ثم أتخيلك وأنت تجولين في بساتين إيران الزاهية وحقولها المخصبة، وأتخيل مواقفك التي ستفوق ديمقراطية إحدى ملكات أوربا
ذلك أنها كانت تكثر من تفقد حال رعيتها خفية، ففي ذات مرة كانت تتجول في الحقول منفردة، فرأت فتاة حسناء تعمل بنشاط في حقلها بحيث لم تنتبه إلى المتجولة العظيمة، فقربت منها الملكة وحيتها وتحدثت معها طويلاً مستفسرة عن محاصيلها وعن معيشتها، وكانت الفتاة تحادثها دون تعمل على طريقتها القروية الساذجة
ولما همت الملكة بالانصراف سألتها الفتاة عن اسمها وماهيتها، فأجابتها ببساطة مستملحة: أنها الملكة فلانة. فطربت الفتاة كما تطرب فتاة الريف الوادعة وسألتها عن عنوانها، فأجابتها الملكة إلى ما أرادت. فلما كان عيد الميلاد بكّرت الفتاة بإرسال زوج من القفازات الصوفية من صنع يدها هدية للملكة بمناسبة العيد، وتقبلتها الملكة راضية وأرسلت خطاب شكر إلى تلك الفتاة ومعه قفاز مملوء بالذهب، وآخر مملوء بالحلوى
وبعد أيام أرسلت الملكة خطاباً آخر للفتاة تستفسر منها فيه عن وصول الهدية، ومقدار ما نالها منها شخصياً، فأجابت الفتاة في حياء جميل: لقد استأثر أبي بالذهب، وتمتعت أختي الصغيرة بالحلوى، بينما أجاهد أنا في الحصاد. فعادت الملكة وأرسلت قفازين أحدهما مملوء بالذهب والآخر بالحلوى، وشفعتهما بخطاب منها شخصياً تقول فيه لوالد الفتاة:(أترك الهدية كاملة للفتاة هذه المرة) فما أجمل عطف المرأة وما أدق مواقفها!
هنيئاً لك يا إيران بابنة فؤاد المصلح، الذي شمل عطفه وبره ورقيه مصر وغير مصر من