وعلى هذا تكون المادة صورة أخرى من صور الطاقة فوق الصور المتقدم ذكرها
ومن نواميس الطبيعة الأساسية ناموسا عدم تلاشي المادة، وعدم تلاشي الطاقة سالفا الذكر. ومعنى هذا أن مجموع المادة التي في الكون ثابت لا تزيد عليه، ولا تنقص منه ذرة واحدة، وإن كانت المادة تتحول على الدوام من تركيب إلى آخر ومن شكل إلى شكل، وكذلك الحال فيما يتعلق بالطاقة؛ فإن صورها أو مظاهرها في تحول مستمر من الكهرباء إلى الحركة إلى الضوء إلى الطاقة الكيميائية إلى الكهرباء وهلم جرا، ولكنها في مجموعها ثابتة لا تزيد، ولا تنقص منها أية كمية مهما صغرت.
انطباق هذين الناموسين على الأحياء
قلنا وكررنا في المقالين السابقين أنه لا يوجد عنصر من عناصر المادة خاص بالكائنات الحية، وأن العناصر التي تتركب منها أجسامها تدخل في تراكيب معدنية لا عداد لها. وبيّنا كيف أن المواد التي تتألف منها أجسام الأحياء مشتقة من الجمادات رأساً بفعل قوة الشمس أو طاقتها الإشعاعية بواسطة المادة النباتية الخضراء (الكلورفيل). فالحيوانات آكلة اللحوم تتغذى من الحيوانات النباتية، وهذه تتغذى من النباتات. والنباتات تركب المواد التي تتغذى بها وتشيد منها أجسامها من المواد المعدنية - أي من الجمادات - على الوجه المتقدم بيانه، بحيث لا يزيد على الكائنات الحية شيء أكثر مما تتناوله من الغذاء ولا ينقص منها شيء أكثر مما تفرزه أو يتبخر منها
وبعد الموت تتحلل أجسامها وتتحول إلى كمية من بخار الماء ومن الحامض الكربونيك ومن بعض تراكيب أزوتية ومعدنية بحيث يساوي مجموع كل هذا وزن الجسم عند الموت تماماً لا أكثر ولا أقل
وكذلك الحال بالنسبة للطاقة فإن الكائنات الحية تتحرك حركة ذاتية كالانتقال من مكان إلى آخر، وحركة أعضائها الداخلية وحركة نمو الخ، وهي تفرز عصائر وخمائر وسوائل مختلفة وإفرازات داخلية وخارجية متنوعة، وتحلل بعض المواد الكيميائية وتركب غيرها، وتتولد فيها حرارة ثابتة في ذوات الثدي (التي منها الإنسان) وفي الطيور، أو حرارة عرضية في الحيوانات الأخرى وفي النباتات، كما يتولد الضوء والكهرباء في بعضها، وهذه كلها من الطاقة، ولا يمكن أن تأتي من العدم لأن الطاقة لا تخلق ولا تنعدم، ولا بد أن