للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

العاطفة الحقيقية أو قد تكون مقرونة بشيء منها، وقد ظفر بنو حميد بمراث بلغت غاية الروعة الفنية من شعر أبي تمام ومن شعر البحتري. ولعل أبدع قصائده فيهم قصيدته التي يقول في مطلعها:

أقصر حميد لا عزاء لمغرم ... ولا قَصْرَ عن دمع وإن كان من دم

أفي كل عام لا تزال مُرَوَّعاً ... بفَذِّ نَعِيٍ تارة أو بتوأم

إلى أن يقول:

فصرتَ كعُشٍ خلَّفتْه فراخهُ ... بعلياء فرع الأثلة الُمتَهَشَّمِ

ثم يقول:

سلام على تلك الخلائق إنها ... مُسلَّمَةٌ من كل عار ومأثم

ومن المختار له في الرثاء قصيدته في سليمان بن وهب التي يقول فيها:

أَأُخيَّ نهْنِهْ دمعك المسفوكا ... إن الحوادث ينصر من وشيكا

وقصيدته التي يقول فيها (ابني عبيدٍ شد ما احترقَت لكم) والتي يقول فيها (جحدنا سهمة الحدثان فينا). ومن أشهر قصائده في الرثاء رثاء المتوكل وقد قيل إن ابنه المنتصر ولي العهد دس له من اغتاله وإلى ذلك يشير البحتري في قوله: -

أكان وَلُّيِ العهد أضمر غدرة ... فمِنْ عَجَبٍ أَنْ وُلَّيَ الأمر غَادِرُهْ

وهو لم يتمتع بالخلافة إلا بضعة أشهر. ويقال إن ضميره أفسد عليه تلك الأشهر من حياته. ويخيل إلي أن البحتري لم يعلن هذه القصيدة إلا بعد وفاة المنتصر إلا يكون قد تنبأ بها وأجاب الله دعوته في قوله:

فلا مُلِّيَ الباقي تراثَ الذي مضى ... ولا حملتْ ذاك الدعاء منابرُهْ

وفيها يمدح المعتز بن المتوكل فيقول:

وإني لأرجو أن تُرَدَّ أمورُكم ... إلى خلَف من شخصه لا يغادرُه

مُقلَّب آراء تخافُ أناته ... إذا الأخرق العجلان خيفت بوادرُهْ وإني أشك في صدق قوله

وأرى أنه من شواهد ما قدمت من اختلاط الخيال بالعاطفة:

أُدَافعُ عنه باليدين ولم يكن ... ليثنى الأعادي أعزلُ الليل حاسرُهْ

ولو كان سيفي ساعة الفتك في يدي ... درى الفاتك العجلان كيف أساوره

<<  <  ج:
ص:  >  >>