والْنعم وهو يحسب أنه يقتل أعداءه القضاة من قادة الإغريق. . . ثم يفيق أجاكس ويعلم ما كان من أمره، وينظر إلى نفسه فيراه رجلاً لم تعد له كرامة بين عشيرته، ويري الجميع يصدون عنه. . . فيألم ويضيق بحياته، ويزيده ألماً ما ظن من حنق أثينا عليه، وما عرف من تحقيره أَمَتَه الجميلة تكماسا، فينطلق إلى مكان موحش مهجور عند شاطئ البحر، ثم يتكئ بصدره على سنان سيفه، فيسقط على الرمال ويتشحط في دمه. . . ويجتمع القادة حول جثمانه فيختلفون ساعة على دفنه، ولكن أودسيوس ينسى سخيمته، ثم يتولى الدفاع عن عدوه في عبارة كلها تمجيد له واعتراف بفضائله، فلا يسع الباقين وفي مقدمتهم منالوس إلا أن يوافقوا على الدفن وأقام الشعار الدينية على جثته. . . ويقع ثلث المأساة تقريباً بعد انتحار اجاكس، وهذا عيب درامي وقع فيه سوفوكليس حين غلبه الشاعر المستكن فيه على الدرامي الذي هو أروع نواحي شخصيته العجيبة العظيمة. . . وتمتاز هذه الدرامة بالكلمات الجميلة الخلابة التي كان يتبادلها الزعماء فوق جثمان أجاكس، ثم أوديسيوس منه بعد الانتحار. . . ثم هذه النجوى وذاك الوداع الذي فارق بهما أجاكس دنياه وهو يشحذ سيفه وجعلهما آخر أنفاسه. . . على أن أثر إسخيلوس واضح جداً في هذه المأساة التي صور فيها الشاعر صراع الإنسان ضد المقادير وما يلقى في تمرده على القضاء من شقاء. . .
٣ - أنتيجونى (٤٤٥ ق. م)
تعتبر مأساة أنتيجونى أجمل فرائد سوفوكلس، وقد نظمها سنة ٤٤٢. وتكاد تكون الحلقة الرابعة في ثلاثية إسخيلوس التي ثالثها (سبعة ضد طيبة). فقد شهدنا كيف تبارز الشقيقان: إتيوكليز، وبولينيسيز، وكيف قتل كل منهما الآخر في مأساة إسخيلوس. هنا ينهض بالملك الطاغية كريون أخو الملك أوديب غير الشقيق، وتكون مهمته شاقة لأنه يلي أمر مملكة منهوكة جائعة حزبتها الحرب التي أثارها بولينيسيز، والتي استعان فيها على وطنه بجيوش الأجانب مما جعل مواطنيه ينقمون عليه ويبغضونه أشد البغض. من أجل هذا احتفل كريون بجناز إتيوكليز وأقام الشعائر الدينية على جثته. ثم أمر في الوقت نفسه أن يترك جثمان بولينيسيز منبوذاً بالعراء تنوشه الجوارح، وتغتذي به بواشق الطير وجياع السباع. لكن الفتاة أنتيجونى تسخر بأوامر الملك وتعرض نفسها للمهالك حيث تذهب إلى