جثة أخيها فتحثو عليها التراب وتدفنها وتؤدي لها شعائر الدين التي لا تستقر أرواح الموتى إلى بعد أدائها. هنا تثور ثائرة الملك، ويأمر بالقبض على الفاعل الذي استهزأ بقوانين الدولة؛ فلما يعلم أن أنتيجونى هي التي أتت هذا الأمر لا يبالي أن يأمر بدفنها حية بالرغم من إنها مخطوبة لولده هايمون الذي يحبها ويهيم بها ويعبدها عبادة. ويحضر الابن فيجادل أباه في محبوبته، بل معبودته لكن الرجل ينسى كل شئ إلا انه ملك. فينصرف هايمون بعد أن ينذر أباه أنه لن يراه بعد اليوم، ويذهب فينتحر عند باب القبو الذي دفنت فيه أنتيجون. ثم تنتحر أمه عندما يأتيها نعيه، تلك الأم الرءوم المعذبة التي فقدت ولدها ميجاريوس من قبل، إذ ضحى أبوه من أجل صوالح الوطن. ويتلفت كريون فيراه وحيداً في هذه الحياة العبوس الجائحة، يبكي قلبه من غير أن ينفعه أن حفظ سلطان القانون فيتمنى، ولن ينفعه التمني، لو أنه سمع لنصيحة الكاهن الذي محضه النصح أن يترفق بولده حتى لا يصب الويلات على رأسه
لقد كان سوفوكليس فناناً عظيماً في هذه المأساة الخالدة. . . لقد صور فيها شخصيات رائعة لم تظفر بمثلها درامة في تاريخ المسرح. . . فهذه هي أنتيجون العنيدة الصارمة التي لا تبالي سلطان الملك وجبروت الدولة، وهذه أختها إسمنيه الضعيفة الساذجة المضطربة التي لا تقر أختها على فعلتها، ولا تنكث بها مع ذاك. . . وذاك الفتى هايمون الذي يجادل أباه بالحق والمنطق، فلما يعييه إقناعه يرتخص الحياة بعد عروسه ويتخلص منها غير باك عليها، وهذا كريون الملك الذي يتغطرس ويغلو في غطرسته، لكنك لا تستطيع مع ذاك إلا أن تعجب به بصفته حاكما، ولا ينبغي أن يكون الحاكم إلا صلباً لا يبالي غير الحق ولا يتهاون في شأن من شئون السلطان. . . ثم أولئك المنشدون (الخورس) الذين يحبذون أنتيجونى حين تصرح أنها لم تأت منكراً حينما دفنت أخاها، ويرثون لها يمون العاشق حين يحاول إقناع الملك بخطل سياسته فلا يقتنع، في حين لا ينتقدون الملك حين يشتط في التمسك بأوامره ووجوب معاقبة الخارجين عليها لأنهم يكونون خوارج على الدولة. . .
هذا إلى فن سوفوكليس وروعة أسلوبه الذي يقول فيه جيته:(إن كل شخصيات سوفوكليس قد أوتوا نعمة الفصاحة، وجمال البيان، فهم أبداً مداره الباء يعرفون كيف يسوقون حججهم ويقيمون براهينهم بحيث يكون السامع إليهم في صف المتكلم الأخير منهم دائماً!)