وجلس اثنان يداولان الرأي في مسألة، وانتحى اثنان من المصلى ناحية، وتناول خامس كتاباً بين يديه، وتوسد سادس ذراعه، واشتغل كل بشأن. . .
وخلع (زهران) طربوشه، فبدت صلعته مصقولة لامعة تحت الشمس؛ فما تعرف أين ينتهي جبينه وأين يبدأ رأسه. . . وكانت مادة حديث. . .
ومر بنا طائفة من الفلاحين فنظروا نظرة ثم مضوا يتهامسون ووقف غلامان يشيران إلينا من بعيد، وتجاوزنا طفلان يُلقي أحدهما في إذن صاحبه حديثاً يضحك منه. . .
وتثاءب زهرانُ وتمطَّى وقال لي: هل لك أن تسابقني عَدوْاً على هذا الطريق؟ فأجبته إلى ما دعا. . . ولم أكن أعلم أن ثمة شراً يتربص!
وأخذنا نعدو ليس في أرجلنا نعل تقينا وخزات الحصى، ورأسي عار إلا من الشعر، ورأسه عار من كل شيء وترامت إلينا كلمات ساخرة وعبارات لم تألفها أذناي؛ فنال منى أن يسخر الفلاحون منى ومن صديقي. . . وأتممنا في السباق دورة؛ وهممت أن أجلس لأستريح، ولكن صديقي أباها علي؛ وعدنا إلى السباق، وعادت كلمات الساخرين تسك مسمعي!
وقلت لصديقي:(تعال نَعُد إلى إخواننا!) ولكنه وقد كان رأسه موضوع السخرية ومحور حديث الساخرين، أبى إلا أن يأخذ بحقه!
إن الفلاحين في مصر لأكرم نفساً وأرحب صدراً من ذلك؛ فما كان بهم أن يسخروا منا ولكنهم أرادوها تحرشاً وكيداً. . . ترى ماذا ظنوا بنا فحملونا على ما لم نكن نقصد إليه؟
وكان ثمة غلام في يده منجل يحش به البرسيم، وعلى شفتيه كلام، فقصد إليه صاحبي يعتب عليه معتبة؛ فما كانت إلا كلمة وجوابها ثم رأيت المنجل المسنون يحزّ في يد صاحبي فيسيل دم. . . وتجاوبت في الفضاء صيحتان، ثم سال الوادي فتياناً وكهولة مسلحين بالعصي والهراوات والشر يلمع في عيونهم!
وأحيط بنا فما وجدنا سبيلاً إلى الخلاص، واشتجرت العصي على رؤوسنا وأبداننا فلا نجد ما نحتمي به إلا أن نعقد من أيدينا على رؤوسنا مجِنّةً تقينا ضربةً قاتلة؛ وحاولنا الكلام فما أطقنا، ولو أطقنا لما وجدنا في هذا الجيش الثائر من يسمع؛ وأسلمنا أرجلنا للريح نعدو ونتعثر وما تزال العصي تنال من أبداننا وهم يحصبون أرجلنا بالحصى والحجارة. . .