ورأى أصحابنا على مبعدة ما نالنا فخفَّوا إلينا سراعاً حفاةً عراة الرؤوس؛ فما كان سعيهم إلا لينالوا نصيبهم من هذه المعركة الدامية؛ معركة لم يكن لنا فيها يدٌ ولا لسان وما نعرف لها من سبب! وأسرع من أسرع منا إلى دار العمدة يستعينه على تهدئة هذه الفتنة فأغلق دونه بابه. . .
وما كان لنا من وسيلة للدفاع عن أنفسنا غير الهرب، وهيهات. . .!
وبلغْنا المصلَّى عدْواً فقذفنا بأنفسنا بين متاعنا نلتمس الحماية والأمن في جوار الله فما أجدى ذلك علينا. واشتدتْ هجمة الفلاحين علينا، فإذا نحن محصورون بين نارين: العدوّ من أمامنا والبحر من ورائنا!
وأسرع واحدٌ منا إلى المتاع يجمعه فصاح منهم صائح: هذه هي الزجاجات! وقال آخر: يشربون الخمر في بيت الله! وقال ثالث: ويل لهؤلاء الفجرة!
. . . وفي هذه الُحمَّى الثائرة ثاب إلي عقلي ففهمت، فابتسمت، وإن الدم ليسيل من يدي ومن جبيني! لقد انكشف السر. . .
وما أدري ماذا كان بعد؛ فقد سقطت على أرض المصلّى فاقد الرشد!
وأفقت بعد قليل، وإن الماء الذي كانوا ينضحون به وجهي ليصل إلى كل جزء من جسدي؛ وكان جزء من جسدي؛ وكان شيخ البلد جالساً يحقّق ويدقق وقد أحاط به أصحابي مكلومين ملطخي الثياب بالدم والوحل كأنهم أشلاء معركة!. . .
وعرفت القرية كلها بما كان، فخفّ إلينا شيوخها وأعيانها معتذرين يحاولون أن يزيلوا من أنفسنا ما كان من أثر هذه المعركة المشئومة!
وقال العمدة معتذراً:(أحسب أن أثرها سيزول من أنفسكم بعد إذ عرفتهم ما كان من ظنهم بكم وإن قريتنا لكريمة مضيافة؛ فما استفزّ أشرارها إلى ما كان إلا اللعينُ الذي زوًّر عليهم الخبر بأنكم تشربون الخمر في مُصَلىَّ القرية. . .!)
ومازال بنا العمدة وحاشيته حتى صفحنا وتناسينا؛ ولكننا على ما بنا لم نطق بقاء في القرية بعد، فحملنا متاعنا وفارقْنا القرية قبل ان ينتصف النهار، يشيعنا بالاعتذار من شيّعنا من أهلها وما منا أحدٌ إلا في وجهه أثر باد يشير إلى ما كان!
فلما صرنا على مقربة من المدينة، وقد عاد المشيعون من أهل القرية أحسسنا التعب،