عقول، وخف حجاب الغفلة في أطراف متعددة من البلاد خصوصاً في القاهرة).
وظهرت في تلك الأيام الصحافة العربية، وراح الناس يقرؤون فيها نفثات الوطنية، وأخذت تهب عليهم من بين سطورها نسمات الحرية، والتمع لهم فيها وميضها، فانتعشت أرواحهم وهفت إلى الانطلاق من الأسر قلوبهم.
وأدى اتصال المصريين بالأجانب إلى تتبع الأنباء العالمية في الحرب والسياسة. فزادت معرفتهم بأحوال العالم وقارنوا بين الشعوب الحرة وبين أنفسهم، وراحوا يستنبطون أسباب ما باتوا فيه من شقاء وذلة.
واهتدى الناس إلى منهجهم فعرفوا أن منجاتهم في أن يتخلصوا من الحكم المطلق ومن نفوذ الأجانب جميعاً، وظهر فيهم الزعماء فراحوا يعقدون الاجتماعات ويتدارسون أمرهم بينهم، وظاهرهم الخديوي آخر الأمر فأصابوا حظّاً كبيراً من النجاح، ورأى المصريون لأول مرة في تاريخهم وزارة وطنية تخضع لمشيئة مجلس يجلس فيه فريق منهم يعبرون عن مشيئتهم
ولكن المصريين ما لبثوا أن فجعوا في آمالهم بتدخل الدولتين تدخلاً جريئاً في شئونهم أدى إلى عزل الخديو وتركهم ذاهلين، تتنازع أفئدتهم عوامل الحنق والخوف والتشاؤم من المستقبل
وأسلمت قيادة السفينة إلى توفيق، فما كادت تسير حتى اكتنفتها الرياح الهوج، وقامت أمامها العقبات من كل جانب؛ فهاهم أولاء المصرين تتأجج نيران الحقد في قلوبهم على الأجانب ولن يطيقوا بعد اليوم أي جنوح إليهم، وهاهي ذي إنجلترا تتحفز وتتربص، ثم هاهي ذي فرنسا تتحين الفرص لتتغلب على منافستها. . وهناك تركيا جاءت آخر الأمر تطلب أن تعيد سلطانها في مصر سيرته الأولى فتردها الدولتان المتنافستان على عقبيها
والربان غير عليم بالسياسة وأنوائها، ولكنه على الرغم من ذلك راح يستغني عن أعلم رجاله بها، فتخلص من شريف وهو أحوج ما يكون إليه! وتنكر للحركة الوطنية وكان حقيقاً أن يعطف عليها عسى أن يحبه الوطنيون وعسى أن يحملهم هذا الحب على تناسي ما لحق بمنصب الخديوية من هوان صغر به في أعينهم؛ ولكن توفيقاً غفل عن هذا أو تغافل عنه لما رآه من إقصاء أبيه عن منصبه على ما كان له فيه من جاه وقوة