ومما يؤثر في الأدب المحاكاة والتقليد - تقليد أمة آداب أمة كما قلد الرومان والأوربيون أدب اليونان، وقلد الفرس والترك وغيرهم الأدب العربي، وقلد الترك والهند الأدب الفارسي، وكما قلد الترك في العصر الحديث الأدب الفرنسي وقلد المصريون الآداب الأوربية
وكذلك تقليد النابغين في الأمة الواحدة؛ فإذا نبغ شاعر أو كاتب حاكاه معاصروه، ثم لم يعدم مقلداً في كل عصر. ويكاد تاريخ الأدب يكون تاريخ النابغين في العصور المختلفة ومن عداهم مقلدون أو كالمقلدين. فالجاحظ، وابن المقفع، وبديع الزمان، وأبو تمام، والمتنبي، لهم تأثير بين في الأدب العربي حتى عصرنا هذا
فإن فتح النابغة للناس فنوناً من الأدب الجيّد والأساليب الحرة كان رائد خير في الأدب، وكان قد سنّ سنة حسنة لا تزال تزيد في إحسانه على كر الأيام كما فعل أبن المقفع والجاحظ وأبو العلاء؛ وأن سلك سبلاً وعرة وخلق أساليب مصنعة متكلفة قد غطّى نبوغُه على عيوبها سار الناس وراءه. وربما ورثوا عيوبه دون مزاياه، وأورثوا الأدب صنوفاً من القيود تضيق الأدب وتميت الابتكار في نفوس المنشئين كما فعل مسلم وأبو تمام في البديع، وأبو العلاء في التزام ما لا يلزم، والحريري في المقامات، وغير هؤلاء في ضروب المحسنات التي شغلت الشعراء والكتاب عن المعاني بصناعة الألفاظ.
وكثيراً ما يخلق التقليد رجلاً في غير عصره. كما تجد اليوم من يقلد أحد النابغين القدماء فيشبه هذا القديم أكثر ما يشبه معاصريه. وكثيراً ما أحيا التقليد الأدب بعد موته. فتقليد القدماء من أدبائنا كان فاتحة نهضتنا الأدبية الحديثة كما كان تقليد اليونان والرومان باعث الأدب الأوربي في عصر النهضة. فقد تخطى البارودي - مثلاً - الأجيال وحاكى الجاهليين والإسلاميين فأتي بنمط من الشعر الجزل هو خير مما كان معروفاً في وقته، وقبل وقته. فكان طليعة الشعراء العصريين.
(ز) والاستطراف
ومما يؤثر في الأدب أيضاً الاستطراف أو حُب التجديد، والنزوع إلى الطريف. ففي الأدب كما في غيره طرائف (مودات). يملّ الأديب موضوعاً مبتذلاً أو طريقاً مسلوكة قد سار